وأمّا ما قيل (١) : «إنّ البطء في الحركة بتخلّل السكون» فيدفعه ما تبيّن فيما تقدّم (٢) أنّ الحركة متّصلة لا تقبل الانقسام إلّا بالقوّة.
وربّما قيل (٣) : «إنّهما متضادّان». قال في الأسفار : «إنّ التقابل بين السرعة والبطء ليس بالتضايف ، لأنّ المضافين متلازمان في الوجودين وهما غير متلازمين في واحد من الوجودين. وليس تقابلهما أيضا بالثبوت والعدم ، لأنّهما إن تساويا في الزمان كانت السريعة قاطعة من المسافة ما لم تقطعها البطيئة ، وإن تساويا في المسافة كان زمان البطيئة أكثر ، فلأحدهما نقصان المسافة وللآخر نقصان الزمان ، فليس جعل أحدهما عدميّا أولى من جعل الآخر عدميّا ، فلم يبق
__________________
ـ الّتي في كلّ حركة ، وهي لمّا كانت مختلفة في الحركات نسب بعض مصاديقها إلى بعض فحصلت السرعة والبطء النسبيّتان ، فما من سرعة في حركة إلّا وهي بطء بالقياس إلى ما فى حركة هي أسرع منها ، وكذا الحال في جانب البطء ، فالسرعة في الحركة كالشدّة في الوجود ـ بمعنى ترتّب الآثار ـ. ثمّ ينشأ بمقايسة البعض إلى بعض معنى الشدّة والضعف ، وهما وصفان نسبيّان.
ومن هنا يظهر أنّ السريع مساوق للحركة مع انقسامها إلى السريعة والبطيئة ، كما أنّ الوحدة ـ مثلا ـ مساوقة للوجود مع انقسامه إلى الواحد والكثير.
ويتبيّن به أنّ السرعة والبطء لا تقابل بينهما حقيقة ، كما أنّ الواحد والكثير لا تقابل بينهما حقيقة ، وقد بيّنا ذلك في مباحث الواحد والكثير.
ويتبيّن أيضا أنّ البطء معلول تركّب الحركة كما أنّ الكثرة معلول تركّب الوجود ، فكلّما كانت الحركة أشدّ بساطة كانت أسرع ، وبالعكس في جانب البطء ، كما أنّ الوجود كلّما كان أبسط كان أشدّ وأقوى. وهذا وإن لم يذكره أحد من أساطين الحكمة لكنّه لا مناص منه بالنظر إلى براهين المسألة ، فتبصّر».
(١) والقائل هو أكثر المتكلّمين على ما نقل عنهم في شرح المقاصد ج ١ ص ٢٧٥ ، وكشف المراد ص ٢٧٠ ، وشوارق الإلهام ص ٤٨٣ ، وشرح التجريد القوشجيّ ص ٣٠٤.
(٢) في الفصل الخامس من هذه المرحلة.
(٣) والقائل هو بعض آخر من المتكلّمين ، كما ذهب إليه الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٦٠٥. وتبعهم صدر المتألّهين في الأسفار ٣ : ١٩٨. بخلاف المشهور من الحكماء حيث ذهبوا إلى أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة.