وربما يقال (١) في مقام إشكال الجمع بين اللحاظين بأنه مبني على كون الحجّية بمعنى التنزيل وجعل الحكم حقيقة ، مع أنه ليس كذلك بتقريب أن العلم وإن اختلفوا فيه من حيث كونه من مقولة الانفعال أو الفعل أو الكيف أو الإضافة إلاّ أن الحق أنه فيه جهات كل منهما ، إذ أوّل مراتبه استعداد النفس وتأثّرها من المعدّات لإيجاد صورة في صقعها ، وهذا هو جهة الانفعال ، ثم توجد فيها تلك الصورة ، وهي جهة الفعل ، ثم تتصف النفس بكونها واجدة لتلك الصورة ، وهي جهة الكيف ، ثم إن تلك الصورة المعلومة بالذات للنفس لها إضافة إلى المعلوم بالعرض وهو ما في الخارج ، وهذه جهة الإضافة.
وما عدا هذه المرتبة الأخيرة أمور تكوينيّة غير قابلة للجعل التشريعي ، وأما هذه المرتبة ، فهي في صفة القطع أيضا ذاتيّة غير قابلة للجعل التشريعي ، وفي غيرها كالأمارات قابلة للجعل التشريعي.
ومعنى جعلها التشريعي إعطاء صفة الطريقيّة والكاشفيّة لها واعتبارها إحرازا شرعا ، فإذا كان الواقع محرزا باعتبار الشارع ترتب عليه جميع آثاره من دوم لزوم جعل الحكم ، ولا توسعة الموضوع للحكم الواقعي ، كما في الحكومة الواقعيّة في مواردها.
والجواب مبني على مقدمة هي ان اعتبارات الشارع ومجعولاته التشريعيّة على ثلاثة أقسام.
أحدها : اعتبار البعث والزجر ونحوهما ، فان الإنشاء بداعي جعل الداعي يصحّح اعتبار الدعوة ، ويصحّح انتزاع الباعثيّة عنه وهو في الحقيقة إيجاد الداعي اقتضاء بحيث يكون داعيا فعليّا عند انقياد العبد.
فهو في الحقيقة جعل تكويني للداعي الاقتضائي ، لكنه حيث صدر من الشارع بما هو ناظر إلى المصلحة الواقعيّة ، فهو جعل تشريعي منه.
__________________
(١) القائل هو المحقق النائيني ( قده ). أجود التقريرات : ٢ / ٩.