والشيطنة الّتي فعليّتها فعليّة الشهوة والغضب والمكر والتّدليس والتّلبيس ظلمانيّ محض.

وله جهتان اكتسابيّتان عرضيّتان ، وهي جهة نورانيّة المعارف الإلهيّة والملكات الفاضلة ، وجهة ظلمانيّة الاعتقادات الرديّة والجهالات الراسخة المنبعثة عن معادات الحق والملكات الرّذيلة ، وبهذين الاعتبارين والله أعلم يقول تعالى : ( اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ ) (١).

فإن المراد بالأول إخراجهم من ظلمات الطبيعة إلى نور المعارف والملكات الفاضلة ، والمراد بالثاني إخراجهم من نور الفطرة ومقام جوهر نفسه النّاطقة إلى ظلمات الاعتقادات الباطلة والملكات الرذيلة ، وإلا فهو في الأصل إمّا نورانيّ أو ظلمانيّ ، فإن كان نورانيّا فما معنى إخراج المؤمن من الظلمات ، وإن كان ظلمانيّا فما معنى إخراجه من النور.

إذا عرفت هذه المقدّمات ، فاعلم أن الجاهل القاصر بالجهل البسيط وإن صدق عليه أنّه غير عارف ولا عالم حيث إن الشيء لا يخرج عن طرفي السلب والإيجاب إلا أنّه : حيث ليس من شأنه العلم كما عرفت ، فليس هو جاهلا في الحقيقة ، وعدم العلم بهذا المعنى ليس ممّا يتألم به لما عرفت من أنّ غير الملتفت إلى كماليّة الشيء بوجه لا يتألّم بفقده.

وحيث إنّ جهله بهذا المعنى ليس اكتسابيّا فليس فيه جهة ظلمانيّة ، بل ليس فيه إلا الظلمة الذاتيّة من حيثيّة والنورانيّة الذاتيّة من حيثيّة أخرى ، فلا جهله بالمعنى المزبور ممّا يتألّم به في النشأة الآخرة ولا الظّلمة الطبيعيّة أمر ما وراء ذاته ولا هو مناط العقوبة الأخرويّة ، ففي الحقيقة ليس في الجاهل القاصر

__________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

۴۴۰۱