وإن أريد لزوم معرفتهم لوجوب شكرهم لمكان وساطتهم للفيض فهو مناف بظاهره للتوحيد في الفعل ورؤية وسائط النعمة بمنزلة الآلات وأنّه لا منعم بالحقيقة سواه تعالى فيكون رؤية النعمة منهم وشكرهم على حد شكر المنعم الحقيقي شركا بالمنعم بما هو منعم.

قلت المراد هو الشق الثاني والشبهة سارية في شكر كل إنسان أنعم على غيره ، فمن احتجب بالحق عن الخلق لا يرى النعمة إلا من الحق ، فلا يشكر غير الحق ومن احتجب بالخلق عن الحق فلا يرى النعمة إلا من الخلق فلا يشكر إلاّ الخلق ومن لم يحتجب عن أحدهما بالآخر فيرى الحق والخلق معا فيشكرهما معا.

غاية الأمر أن الحقّ هو منتهى سلسلة النعم ونسبتها إليه بالوجوب وإلى غيره بالإمكان ، فهو المشكور أولا وغيره مشكور ثانيا ، فالنعمة أثر الوجود الذي هو عين إيجاده تعالى.

فكما أنّ وجوده وجوده حقيقة ومع ذلك إيجاده تعالى حقيقة كذلك إنعامه إنعامه حقيقة ومع ذلك فهو إنعامه تعالى حقيقة لانطواء فعله في فعله تعالى بل بهذا النظر شكر الخلق شكر الحق أيضا. هذا هو القول الكلي في شكر كلّ منعم غيره تعالى.

وأما وساطة الأنبياء والأوصياء عليهم أفضل التحيّة والثناء للنعم والآلاء سواء كانت بمعنى فاعل ما به الوجود بأن يكونوا مجاري فيض الوجود أولا وبالذات أو بمعنى العلّة الغائيّة بأن يكونوا الغاية المقصودة من الوجود والإيجاد فليست كعلّية الواجب فطريّة حتى تكون باعثة على شكرهم المقتضى لتحصيل معرفتهم وإن كان بالنظر الدقيق البرهاني كذلك.

فيمكن أن يقال : بلزوم تحصيل معرفتهم من وجه آخر ، وهو أن شكر المنعم على الوجه المعيّن من قبله لا يعلم إلا من قبلهم ، لكونهم على الفرض وسائط

۴۴۰۱