ثانيهما أن ما ذكرناه إلى هنا إنما هو لعدم استتباع حكم العقل حكم العقل العملي للحكم الشرعي المولي.
وأما استتباع حكم العقل النظري للحكم الشرعي المولوي فمجمل القول فيه أن مصالح الأحكام الشرعيّة المولويّة التي هي ملاكات تلك الأحكام ومناطاتها لا تندرج تحت ضابط ، ولا تجب أن تكون هي بعينها المصالح العموميّة المبني عليها حفظ النظام وإبقاء النوع.
وعليه فلا سبيل للعقل بما هو إليها.
نعم إن اتّفق إدراك مصلحة خاصّة لبعض الأحكام بحيث كانت في نظر العقل تامة الاقتضاء ، فهل يحكم العقل بحكم الشارع على طبقها أم لا.
والتحقيق أن المصلحة وإن كانت تامة الاقتضاء ، إلاّ أن الغرض من الواجب غير الغرض من الإيجاب ، فربما يكون الواجب تام الاقتضاء بحيث لا يتوقف ترتب الغرض منه عليه على أمر آخر ، إلاّ أن الإيجاب فيه مفسدة ، فلا يكاد يصدر من الحكيم ، والإيجاب إنما يتحقّق بتحقّق علّته التامّة من المقتضى الموجود في الواجب الباعث على إيجابه من عدم المانع من إيجابه.
فمجرّد إحراز المقتضى لا يكفى في إحراز مقتضاه فعلا ، بل اقتضاء أي بنحو ثبوت المقتضى بثبوت مقتضيه ، وهو المعبّر عنه بالحكم الاقتضائي في لسان شيخنا العلامة الأستاد « قدس سره ».
لا يقال : هذا في البعث الفعلي بنحو القضيّة الخارجيّة وأما في البعث الكلي القضيّة الحقيقيّة ، فليس في تلك المرحلة مفسدة تتصور في جعل الحكم على موضوعه.
لأنا نقول : حيث إن جعل الحكم الكلي أيضا بداعي جعل الداعي بحيث يكون فعليّا بوصوله وبفعليّة موضوعه ، فلا محالة إذا كان فعليّة البعث مستتبعة للمفسدة لا يعقل الإنشاء بهذا الداعي إلا متقيدا بما لا يستتبع مفسدة عند فعليّته ، فتدبر.
وأما إن اتّفق إحراز المصلحة وإحراز عدم المفسدة المانعة من البعث ،