الأول ظنا بالحكم الفعلي دون الثاني ، مع أن الحكم الطريقي كالحكم النفسي لا فعلية له إلاّ بوصوله ، وما هو غير واصل فعلا لا يكون موصلا فعلا.
وبعد فرض سقوط العلم الإجمالي الصغير عن التأثير لم يصل الطريق وصولا صالحا لفعليّة التكاليف الواقعية ، والظن به كالظن بالواقع ، وكما يصلح الظن بالحكم الطريقي لفعلية الواقع باعتباره شرعا من باب الكشف ، كذلك الظن بالحكم النفسي ، فلا موجب للاختصاص بالأول بعد عدم الموجب لتضييق دائرة المعلوم بالإجمال ، فتدبر جيدا.
ثم إنه في قبال ما أفاده شيخنا « قدس سره » من التعميم بلحاظ الانحلال تقريب آخر للتعميم مبنيا على عدم الانحلال عن بعض أجلّة العصر (١). محصّله أن العلم الإجمالي إذا قام على بعض أطرافه طريق معتبر شرعا فأثر الإجمال باق في النفس ، وإنما الشارع نزّل مؤدّى الطريق منزلة الواقع ، فهو بدل عن الواقع شرعا ، فيكون امتثاله بدلا عن امتثال الواقع عقلا ، فلا يسقط عقاب الواقع المنجّز بسبب العلم إلا بإتيان الواقع أو بدله ، وإلا لو سقط العلم عن التأثير وكان الطريق مخالفا للواقع لم يستحق عقابا أصلا إذا خالف الطريق ، إذ الواقع سقط عقابه ، ومؤدّى الطريق لا واقع في ضمنه.
وعليه فحيث إن نصب الطريق ليس إلاّ جعل البدل للواقع ، فالمكلف مخير عقلا بين الإتيان بالواقع أو ببدله علما أو ظنا عند تعذر العلم.
وقد مر في تضاعيف ما قدمناه أن الحجّية سواء كانت بمعنى جعل الحكم المماثل أو بمعنى تنجيز الواقع لا يعقل أن يكون العلم الإجمالي متعلقا بتكليف فعلي على أيّ تقدير للزوم اجتماع الحكمين الفعليّين في مورد الطريق ، ولا يعقل أن يكون منجزا للحكم على أي تقدير ، لأنه إذا كان في طرف الطريق كان منجزا
__________________
(١) هو المحقق الحائري قدس سره ، درر الفوائد / ٤١١.