وثانيا في جريانه وعدمه في خصوص المقام : فنقول : المانع من الجريان تارة بلحاظ مقام الثبوت ، وأخرى بلحاظ مقام الإثبات :
أما بحسب مقام الثبوت ، فالمانع عند شيخنا الأستاد « قدس سره » تبعا لشيخنا العلامة الأنصاري « قدس سره » منحصر في لزوم المخالفة العملية ، فإذا علم إجمالا بنجاسة أحدهما وكانا مسبوقي اليقين بالطهارة ، فاستصحاب الطهارة فيهما يوجب الإذن في ارتكابهما ، مع فرض تنجيز العلم بوجوب الاجتناب الذي هو لازم العلم بالنجاسة ، والإذن في المخالفة العملية قبيح عقلا.
لكنا ذكرنا في محله أن تنجيز العلم وإن كان مقصورا على صورة تعلق العلم بتكليف إلزامي ، فما لا مخالفة عملية له لا تنجيز له ، إلا أن المانع عقلا عن جريان الاستصحاب في الأطراف غير منحصر في المخالفة العملية ، فان نفس تنافي الحكمين أعني وجوب الاجتناب عنهما معا وعدم وجوب الاجتناب عن أحدهما محذور عقلي.
ومنه يعلم أن هذا المحذور العقلي فيما إذا كان الأصل على طبق العلم الإجمالي كما في الأصول المثبتة للتكليف المعلوم بالإجمال جار أيضا ، إذ اجتماع المثلين كاجتماع الضدين والمتناقضين في الاستحالة.
وبالجملة عدم وجوب الاجتناب فعلا مناقض لوجوب الاجتناب فعلا وإن لم يكن أثر لعدم الوجوب المعلوم بالإجمال ، فالمانع العقلي عن جريان الأصول غير منحصر في لزوم المخالفة العملية.
وأما بحسب مقام الإثبات ، فالمانع لزوم المناقضة بين صدر الرواية وذيلها من شمولها للأصول الجارية في أطراف العلم الإجمالي بناء على شمول اليقين في قوله عليه السلام : ولكن تنقضه بيقين مثله (١) لليقين الإجمالي ، فان مقتضى صدرها
__________________
(١) تهذيب الأحكام ١ / ٨ ـ ٩ وعبارة الرواية : ولكن ينقضه بيقين آخر وليس فيها مثله.