الشرعية سواء كانت بمعنى جعل الحكم المماثل أو بمعنى تنجيز الواقع يتقوم بالوصول عقلا :
أما على الأول ، فواضح ، لأن الحكم المماثل كنفس الحكم الواقعي من حيث عدم الأثر إلا بعد الوصول ، وإلا لكفى نفس وجود الحكم الواقعي في استحقاق العقوبة على مخالفته من دون حاجة إلى جعل الحكم المماثل على طبقه.
وأما على الثاني ، فلأن وجود الحكم المجعول لو كان كافيا في تنجزه بمجرد الظن به أو احتماله لما كانت حاجة إلى جعل التنجز من الشارع ، فجعل التنجز واقعا كجعل الحكم واقعا لا أثر له عقلا.
هذا إذا كانت العقوبة بحكم العقل.
وأما إذا كانت بجعل الشارع ، فكما أن مقتضى قاعدة اللطف البعث إلى ما فيه المصلحة والزجر عما فيه المفسدة لإيصال العباد إلى مصالحهم ودفع وقوعهم في المفاسد كذلك مقتضى قاعدة اللطف إيصال البعث والزجر تحصيلا لذلك الغرض.
وكما أن جعل العقاب لغرض تمامية اقتضاء البعث والزجر للدعوة في نفوس العامة ، كذلك عين هذا الغرض يقتضي إيصال جعل العقاب تحقيقا للدعوة ، وإلا فوجوده الواقعي لا يحقق الدعوة.
وعليه ففعليّة استحقاق العقوبة عقلا وشرعا بفعليّة الحجّة الشرعيّة المحقّقة لعنوان الظلم المحكوم باستحقاق الذم والعقوبة عليه في الأول ، وبفعلية جعل العقاب بوصوله في الثاني فلا معنى لعدم استقلال العقل باستحقاق العقوبة وعدم استقلاله بعدم استحقاقها ، بل إما يحكم بالاستحقاق أو بعدمه. بل الاستحقاق حيث إنه على فرضه « قدس سره » بحكم العقل كما هو المعروف أيضا ، فلا معنى لعدم الجزم بأحد الطرفين ، لأن هذا الحكم من العقلاء ، ليس مترتبا على عنوان يعلم صدقه تارة ويشك فيه أخرى ، بل هو عبارة عن بناء