والتحقيق كما يساعده بعض الأخبار ويشهد له الاعتبار أن الآية ليست في مقام المنع عن النفر إلى الجهاد كافة في قبال تخلف جماعة ، بل في مقام المنع عن قصر النفر على الجهاد نظرا إلى أنه كما أن الجهاد مهمّ كذلك التفقّه ، فليكن نفر جماعة إلى النبي صلّى الله عليه وآله للتفقّه ونفر الباقين إلى الجهاد ، وهو المستفاد من رواية العلل (١) عن الصادق عليه السلام قيل له : إن قوما يروون أن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : اختلاف أمتي رحمة فقال : صدقوا فقلت : إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب قال : ليس حيث تذهب وذهبوا ، إنما أراد قول الله عزّ وجل : ( فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ) إلى آخر الآية. فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله ليتعلموا ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم. إنما أراد اختلافهم من البلدان الحديث.
ويوافقه الاعتبار أيضا ، فانّ النافرين إلى الجهاد من المدينة كان رجوعهم إلى رسول الله ، فيتعلمون منه صلّى الله عليه وآله كما كان كذلك في زمان حضوره من دون حاجة إلى تخلف جماعة لهذه الغاية ، بخلاف النافرين من الأطراف فانهم محتاجون إلى تعلّم الأحكام إذا رجعوا إلى بلادهم والله أعلم.
١١٠ ـ قوله « قده » : ولا شبهة في أنه يصح منهم التخويف ... الخ (٢).
إن كان الغرض صحة التخويف بنفس ما سمعوه من الإمام أو المجتهد فيئول الأمر إلى صدق الإنذار على حكايته.
وإن كان الغرض صحة التخويف استنادا إلى ما سمعوه ، فلا مجال له ، إلا بناء على حجية رأيهم.
وإلاّ فلا وجه لصحة إنذارهم بما رأوه استنادا إلى ما رووه ، كما لا وجه
__________________
(١) ج ١ ص ٨٥ الطبعة الثانية.
(٢) كفاية الأصول / ٢٩٩.