وعن الثاني بأن ظاهر الآية أن الغاية المترتبة على الإنذار والفائدة المترقّبة منه هو التّحذر لا إفشاء الحق وظهوره.

فالمراد والله أعلم لعلهم يحذرون بالإنذار ، لا بافشاء الحق بالإنذار.

كما أن ظاهرها التحذّر بما أنذروا ، لا بالعلم بما أنذروا به ، بل نقول : إن نفس وجوب الإنذار كاشف عن أن الإخبار بالعقاب المجعول إنذار ، ولا يكون ذلك إلا إذا كان حجة ، وإلا فالإخبار المحض لا يحدث الخوف ولو اقتضاء حتى يكون مصداقا للإنذار حتى يجب شرعا.

ومنه ظهر أن التحذر لو كان نتيجة إفشاء الحق بكثرة إخبار المخبرين عن العقاب المجعول كان المجموع إنذارا واحدا ، لأن المجموع هو المقتضى للعلم المقتضى للخوف.

مع أن كل واحد مكلف بالإنذار الذي لا يصدق على إخباره بالعقوبة إلاّ مع فرض حجّيته.

ومن غريب الكلام ما عن بعضهم (١) من قصر التفقه في الدين على العلم بدقائق الدين مما يتعلّق بأسرار المبدأ والمعاد وتبليغ الدعوة والنبوة وأشباه ذلك مما يطلب فيه العلم دون الأحكام الشرعيّة العملية. وفي أخبار الأئمة عليهم السلام شواهد كثيرة على صدق التّفقه على تعلم الحلال والحرام ، فليراجع.

مع أن صريح الآية إنذار النافرين للمتخلفين أو بالعكس ، لا تبليغ الدعوة إلى عامة الناس ونشر أعلام الهداية في البلاد النائية ، كما توهمه هذا المتوهم ، فافهم واستقم.

بقي هنا أمران ، أحدهما : قد تكرر في كلماتهم أن وجوب الإنذار مقدمي ، ولذا جعل في الإطلاق والاشتراط تابعا لوجوب التحذر.

__________________

(١) محجّة العلماء ١ : ٢٦١.

۴۴۰۱