والوساطة بكل من الوجهين إمّا مجعولة بالاستقلال ، فيكون (١) وساطة اعتبارية وإما مجعولة بتبع جعل حكم طلبي ، فتكون وساطة انتزاعية ، فقوله الخبر حجة مثلا اظهار لاعتبار وساطته ، وقوله صدق العادل مثلا جعل للحكم على طبق المؤدى بعنوان أنه الواقع ، فالخبر واسطة في اثبات الواقع العنواني ومصحح انتزاع هذه الوساطة ذلك الحكم المزبور بالعنوان المذكور.
كما أن الحجية بمعنى الوساطة في تنجز الواقع تارة تثبت اعتبارا بقوله الخبر حجة ، وأخرى تثبت انتزاعا بقوله صدق إذا أنشأ بداعي تنجيز الواقع.
فنقول أما الحجية المجعولة بالاستقلال اعتبارا ، فهي : إما اعتبار المنجّزيّة للواقع كما لا يأبى عنه عبارة الكتاب.
وإما اعتبار وصول الواقع بالخبر ومحرزية الخبر.
وإما اعتبار نفس مفهوم الحجية وهو كون الشيء بحيث يصح الاحتجاج به.
أما الأول : فإن أريد جعل الخبر موجبا للعقوبة على مخالفة الواقع المخبر به فهو كجعل العقاب ابتداء على مخالفة ما قام عليه الخبر ، فإنه أيضا يصحح انتزاع الحجية بمعنى المنجّزية والموجبية للعقاب.
وكلاهما غير معقول ، إذ لا عقاب على مخالفة الواقع مع عدم الحجة عليه عقلا أو شرعا ، فجعل الحجية بنفس جعل العقاب المتوقف على وجود الحجية دوريّ.
وإن أريد من المنجزية جعل حيثية يترتب عليها تنجز الواقع ، فالكلام في تلك الحيثية.
إلا أن التعبير بالمنجّزية لا يأبى عن جعل حيثية يترتب عليها الوقوع في تبعة المخالفة ، فان التنجيز ليس إلا إتمام العمل وجعل الواقع على حد يترتب
__________________
(١) هكذا في المطبوع والمخطوط بغير خط المصنف قده ، والصحيح : فتكون ، كما في العبارة الآتية.