في موارد الشبهة.
ثم تعرض شيخنا الأنصاري قدسسره بعد ذلك لدفع اعتراض قد يورد على الروايات بعدم دلالتها على الوجوب ، بقوله : « وتوهم ظهور هذا الخبر المستفيض في الاستحباب مدفوع ، بملاحظة : أنّ الاقتحام في الهلكة لا خير فيه أصلا. مع أنّ جعله تعليلا لوجوب الإرجاء في المقبولة قرينة على المطلوب.
فمساقه مساق قول القائل : « أترك الأكل يوما خير من ان أمنع منه سنّة » ، وقوله عليهالسلام في مقام وجوب الصبر حتى تيقن الوقت : « لأن أصلي بعد الوقت أحبّ إليّ من أصلّي قبل الوقت » (١) ، وقوله عليهالسلام في مقام التقية : « لأن أفطر يوما من شهر رمضان فأقضيه أحبّ إليّ من أن يضرب عنقي » (٢) ..
وقد أجاب شيخنا العلامة الأنصاري قدسسره عن ذلك : بأنّ الأمر بالتوقف أمر إرشادي ، لا يترتب عليه شيء سوى ما يترتب على متعلّقه ، وهو الأمر المرشد إليه ، فلا يكون مثل هذا الأمر دالا على وجوب شيء.
بيان ذلك : ان الأوامر الإرشادية هي أوامر بصورتها ، ولكنها ـ في واقعها ـ إخبار ، فهي غير متضمّنة للإلزام بشيء أصلا ، وانما الإلزام في مواردها ينشأ من اللزوم في المرشد إليه نفسه ، فان كان هناك فيه موجب للإلزام كانت متابعة الأمر الإرشادي بالعمل على طبقه لازما ، وإلاّ فلا. ومثاله في أوامر الطبيب التي هي أوامر إرشادية من القسمين هو : ان أمره بشرب الدواء النافع لجهة ضرورية في صحة البدن ، كأن يأمر بشرب الدواء لأجل الخلاص من المرض المهلك ، يكون لازم العمل ، للزوم المرشد إليه ، وهو شرب الدواء المذكور. كما أنّ أمره بشرب الدواء النافع لزيادة الشبهة ـ أو توليد النشاط فيه ـ ، باعتبار عدم اللزوم في
__________________
(١) وسائل الشيعة ٣ ـ ١٢٢ ـ باب ١٣ ـ الحديث ٥ من أبواب مواقيت الصلاة.
(٢) وسائل الشيعة ٧ ـ ٩٥ باب ٥٧ الحديث ٤ من أبواب يمسك عنه الصائم.