فتكون حجية أحدهما هي الواصلة بوصول موضوعها إجمالاً فلا يقع تناف بين الحجتين.
وأما بناء على المسلك المختار من ثبوت الأحكام الظاهرية واقعاً كالأحكام الواقعية ، فأيضاً لا محذور في البين لعدم مانع عن إطلاق دليل الحجية لكل منهما مشروطاً بكذب الآخر لاحتمال أن الثابت واقعاً فعلية إحدى الحجيتين ، ومجرد احتمال كذبهما معاً لا يمنع عن صحة التمسك بإطلاقه لإثبات الحجيتين المشروطتين اللتين يعلم بتحقق شرط إحداهما إجمالاً.
كما أنه لا تنافي بين هذه الحجية المشروطة في أحد الطرفين والحجية المطلقة في الطرف الآخر ، لأن الحجية المشروطة لا تصبح فعلية في أحد الطرفين تعييناً إلاّ إذا علم بكذب الآخر تعييناً ، ومعه لا موضوع للحجية المطلقة فيه حتى تتنافى مع الحجية المشروطة ، فالشرط الثالث محفوظ. وكذلك الشرط الرابع ، فإن هذه الحجية حصة من حصص الحجية المطلقة المستفادة من دليل الحجية العام وليست حجية جديدة. وأما الشرط الثاني ، وهو معقولية جعلها ، فقد يتوهم عدم توفره ، لأنه لو أحرز شرط هذه الحجية وهو كذب أحدهما المعين خرج المورد عن التعارض بين الحجتين ، وإن لم يحرز ذلك لم تبق فائدة لجعلها إذ لا يحصل منها علم بالمنجز شرعاً.
ولكن الصحيح : توفر هذا الشرط ، لأن فائدة هذه الحجية إحراز حجية أحد الدليلين إجمالاً حيث يعلم بكذب أحدهما فيعلم إجمالاً بفعلية إحدى الحجيتين ، وهذا أمر زائد لم يكن محرزاً لو لا الحجية المشروطة ، إذ مفاد الدليلين يحتمل كذبهما معاً. وليس فرض كذب أحدهما مساوقاً مع صدق الآخر. والنتيجة العملية الفقهية لإحراز هذه الحجية الإجمالية نفي الثالث ، فالفقيه يمكنه أن يفتي بعدم الثالث استناداً إليها. وهذا هو التخريج الفني الصحيح لنظرية نفي الثالث في موارد التعارض ، والتي حارت الصناعة الأصولية في كيفية تخريجها بعد البناء على المسلك الصحيح القائل بتبعية الدلالة