على أن ذلك الحكم الواقعي مقرون بصدور ذلك الخطاب وليس حكماً مجرداً عنه ، والخبر الآخر يدل بالالتزام على أنه إذا فرض عدم وجود حكم واقعي مجرد عن ذلك الخطاب فلا حكم أصلاً ، فينتج بالتلفيق بين المدلولين التعذير عن ذلك الحكم. وإن شئت قلت : أن الحكم المقرون بشخص ذلك الخطاب ينفيه الخبر النافي والحكم غير المقرون به ينفيه الخبر المثبت وبالجمع بينهما ينفي أصل الحكم الواقعي ويؤمن عنه.
وعلى أية حال ، لا إشكال أن البناء العقلائي القاضي بالحجية من باب الطريقية والكاشفية لا يرى انحفاظ نكتة الحجية في الخبرين المتكاذبين. فهذا التفصيل مما لا يكن المساعدة عليه.
ب ـ نظرية نفي الثالث :
ثم إنه بناء على التساقط المطلق ـ كما ذهب إليه المشهور ـ هل يمكن نفي الحكم الثالث المخالف مع مفاد كلا الدليلين المتعارضين فيما إذا لم يكن يعلم بصدق أحدهما أم لا يمكن ذلك ، فيجوز الالتزام بحكم ثالث مخالف لمفادهما إذا اقتضاه الأصل؟
ذهب مشهور المحققين إلى إمكان ذلك. وقد أفيد في تخريجه وجهان.
الوجه الأول ـ ما ذكره صاحب الكفاية ـ قده ـ من أن التعارض بين الدليلين غاية ما يستلزمه العلم بكذب أحدهما ، فالذي يسقط عن الحجية هو أحدهما المعلوم كذبه إجمالاً وأما الآخر فلا وجه لرفع اليد عن حجيته ، وحجيته وإن كانت غير مفيدة بالقياس إلى المدلول المطابقي منهما لعدم إمكان تعيين الحجية في أحد الطرفين ، إلاّ أنها مفيدة بلحاظ المدلول الالتزامي ، وهو نفي الثالث (١).
__________________
(١) راجع كفاية الأصول الجزء ٢ ، ص ٣٨٥ ( ط ـ مشكيني ).