تم تخصيص دليل الحجية العام بأخبار الطرح ـ وقد تقدم شرحه مفصلاً فيما سبق ـ إذ أنها كانت تشمل جميع أنحاء المخالفة مع الكتاب الكريم وإنما خرجنا عن إطلاقها في القدر المتيقن الثابت حجيته بسيرة الأصحاب أو بما يستفاد من بعض أخبار العلاج ، إلاّ أن هذا القدر المتيقن إنما يكون في غير موارد التعارض جزماً لقوة احتمال عدم حجيته في مثل هذه الحالة فيكون مشمولاً لإطلاق أخبار الطرح التي تنفي مقتضي الحجية فيه ، فيسلم معارضه ويكون حجة على القاعدة. من غير فرق في ذلك بين حالة التعارض المستوعب لتمام مدلول الخبرين أو حالة التعارض غير المستوعب ـ التعارض بنحو العموم من وجه ـ غاية الأمر ، أن الساقط عن الحجية في الحالة الأولى أصل الخبر المخالف للكتاب وفي الحالة الثانية الإطلاق المعارض لأنه المشمول لعموم الموصول في أخبار طرح ما خالف الكتاب.
وأما الترجيح بمخالفة العامة ، فتخريجه على مقتضى القاعدة الأولية يبتني على تطبيق قاعدة حمل الظاهر على النص بلحاظ مرحلة الدلالة التصديقية الجدية بعد عدم إمكان الجمع العرفي بلحاظ مرحلة الدلالة الاستعمالية. حيث أن الحديث المخالف للعامة يكون نصاً في الجدية لو قيس إلى الخبر الموافق معهم ، وقد تقدم في بحث التعارض المستقر صحة هذا النحو من الجمع بين الدليلين المتعارضين إذا أوجبت الموافقة والمخالفة مع مجموع الملابسات اختلافاً في درجة الظهور في الجدية (١) وهذا أيضا لا يفرق فيه بين المعارضة المستوعبة لتمام المدلول أو غير المستوعبة بعد أن كان احتمال التقية في إطلاق الحديث دون أصله معقولاً أيضا.
إلاّ أن هناك اعتراضاً وجهه صاحب الكفاية ـ قده ـ على حمل الخبر الموافق للعامة على التقية كجمع عرفي بأنه يستلزم سقوط الخبر الموافق عن
__________________
(١) ص ٢٠٠.