المنسوخ حدوثاً وبقاءً حقيقةً. فالنسخ في الشريعة على هذا الأساس وإن كان من الاختلاف والتنافي في الحكم ، وقد يكون له مبرراته من التدرج في مقام التقنين والتشريع أو غيره من المبررات ، إلاّ أنه يكون تنافياً في عالم الثبوت وليس من التعارض الّذي هو التنافي في عالم الإثبات.
وإن فسرنا النسخ في الشريعة بما يرجع إلى التخصيص بلحاظ عمود الزمان ، وأن الناسخ يكشف عن انتهاء أمد الحكم المنسوخ ومحدوديته بذلك الزمان ، وأن الناسخ يكشف عن انتهاء أمد الحكم المنسوخ ومحدوديته بذلك الزمان من أول الأمر وإن كان بحسب ظاهر دليله مطلقاً من ناحية الزمان ، فسوف يندرج النسخ في باب التخصيص الّذي هو أحد أقسام التعارض غير المستقر ، حيث تحصل المعارضة بين أصل دلالة الدليل المنسوخ على استمرار الحكم ودوامه وبين الدليل الناسخ. وقد يدور الأمر بين أن يكون الدليل المتأخر ناسخاً للحكم المتقدم ورافعاً لاستمراره ، أو يكون مخصصاً لبعض أفراده فيكون بياناً لإرادة الخصوص من أول الأمر. وقد بينت في محلّه مرجحات كل من التخصيص أو النسخ بما لا مجال هنا لشرحه.
وهكذا يتضح : أن تغير أحكام الشريعة عن طريق النسخ يكون أيضا أحد العوامل المستوجبة للتعارض بين الأحاديث والنصوص. ولكن التعارض على أساس هذا العامل تنحصر دائرته في النصوص الصادرة عن النبي ٦ ولا تعم النصوص الصادرة عن الأئمة : لما ثبت في محله من انتهاء عصر التشريع بانتهاء عصر النبي ٦ وأن الأحاديث الصادرة عن الأئمة المعصومين ليست إلاّ بياناً لما شرعه النبي ٦ من الأحكام وتفاصيلها.
٣ ـ ضياع القرائن :
ومن جملة ما يكون سبباً في نشوء التعارض بين النصوص أيضا ، ضياع كثير من القرائن المكتنف بها النص أو السياق الّذي ورد فيه ، نتيجة للتقطيع أو