فإن جواب الإمام ٧ بجواز إسدال المرأة الثوب على وجهها من دون تقييد ذلك بطرف الأنف ظاهر في جواز إسدالها على كامل وجهها ، ولكن تصدي السائل ثانيا للسؤال عن حد ذلك الحكم أوجب أن يبين الإمام ٧ ، ما يكون منافياً مع الجواب الأول ومقيداً له.

ولعل السبب الّذي كان يدعو لهذا التدرج في البيان ، هو مراعاة حالة المتشرعة التي لم تكن تسمح لهم باستيعاب التفاصيل كلها دفعة واحدة في ظل تلك الظروف السياسية ، ومع تلك الإمكانات المحدودة المستعصي معها التعليم والتعلم من جهة ، وتطبيقاً لفكرة التدرج الطبيعي في مجال التربية والتثقيف على الأحكام الشرعية تلك الفكرة التي طبقها النبي ٦ أيضا في بدء الدعوة إلى الإسلام ، من جهة أخرى. فكان من نتائج هذا الأسلوب أن اعتمد الأئمة في مقام تبليغ تفاصيل الأحكام الشرعية وتثبيتها في أذهان أصحابهم على القرائن المنفصلة والبيانات المتأخرة بعضها عن بعض ، فشاع على هذا الأساس التعارض والتنافي بين النصوص والأحاديث الصادرة عنهم بنحو التخصيص أو التقييد أو القرينة ، كما نجده في كتب الحديث التي بأيدينا اليوم.

٦ ـ التقية :

والتقية أيضا كان لها دور مهم في نشوء التعارض بين الروايات ، فلقد عاش أكثر الأئمة المعصومين : ظروفاً عصيبة فرضت عليهم التقية في القول أو السلوك.

ولا نريد هنا شرح الأسباب التأريخية التي دعت الأئمة : إلى الاتقاء في أحاديثهم أو التحفظ في حياتهم العملية ، فإن للحديث عن ذلك مجالاً آخر ، ولكنه ينبغي أن نشير إلى أن التقية التي كان يعملها الأئمة لم تكن تقية من حكام بني أمية وبني العباس فحسب ، بل كانوا يواجهون ظروفاً اضطرتهم

۴۲۷۱