على مخالفة الواقع ، وهذا بخلاف المقام إذ لم يستفد بمقتضى القاعدة إلا التقييد في حجية كل منهما وإشراطها بالأخذ به وأما وجوب الأخذ به فلم يدل عليه دليل (١).
والتحقيق : أن هذا المقدار من البيان لا يمكن أن يكون برهاناً على التساقط ولا يصح السكوت عليه بهذا الصدد. إذ أقل ما يمكن أن يناقش فيه ـ بغض النّظر عن المناقشات التي سوف تتبين من خلال الأبحاث المقبلة ـ إنه من الممكن الالتزام بإعمال دليل الحجية على النحو الرابع من دون محذور ، إذ نتساءل : انه هل من المحتمل بحسب الارتكاز العرفي والمتشرعي الانفكاك بين حجيتين مشروطة كل واحدة منهما بالأخذ وبين وجوب الأخذ بإحدى هاتين الحجتين؟ فإن كان الانفكاك محتملاً التزمنا بالحجيتين المشروطتين تمسكاً بما يمكن من دليل الحجية ولا يلزم محذور. وإلاّ كان دليل الحجية الصالح لإثبات هاتين الحجيتين بالمطابقة دالاً بالالتزام على وجوب الأخذ بأحدهما.
والصحيح : هو أن الموقف ليس بشكل واحد في جميع فروض التعارض بل يختلف باختلاف حالاتها. فقد يقتضي الموقف التخيير ، وقد يقتضي الترجيح ، وقد يقتضي التساقط ، بل قد يقتضي أحياناً الجمع بينهما.
وتوضيحاً لذلك نقول : إن هناك فروضا أربعة.
الفرض الأول ـ أن يعلم من الخارج ـ ولو بحسب الارتكاز العقلائي ـ أن ملاك الحجية ومقتضيها لو كان موجوداً في مورد التعارض فهو في أحدهما المعين أقوى من الآخر ، بحيث يراه المولى أرجح في مقام جعل الحجية له. وفي هذه الفرضية مقتضى الأصل ترجيح ذلك الدليل ، لأن إطلاق دليل الحجية له يثبت حجيته المطلقة ولا يعارضه إطلاقه للآخر لأنه معلوم السقوط
__________________
(١) مصباح الأصول ، ص ٣٦٦.