بملاك القرينية بل باعتبار تزاحم مقتضى الظهور والدلالة في كل من الظاهر والأظهر وحصول ظهور نهائي على وفق الأظهر ، على ما تقدم شرحه فيما سبق. وهذا وجه يمكن تطبيقه على المورد الثاني في المقام ، بدعوى : ان دلالة اسم الجنس على القضية المهملة باعتبارها بالوضع تكون أقوى وأظهر من دلالة مقدمات الحكمة على الإطلاق فيتقدم عليها ويرفع اليد عن القضيتين الثابتتين بمقدمات الحكمة في كل واحد منهما بالدلالة الوضعيّة في الأخرى.
قلنا ـ إن تقديم الأظهر على الظاهر على أساس التزاحم بين مقتضيات الظهور وإن كنا نقبله على ما تقدم في الأبحاث السابقة ، إلاّ أن ذلك يصح في الأظهر المتصل بالظاهر لا المنفصل عنه ـ كما هو المفروض في موارد التعارض المستقر ـ لأن الدلالة المنفصلة لا تكون مؤثرة سلباً أو إيجاباً في مرحلة الظهور ، فهذا الجمع إنما يتم فيما إذا فرض اتصال القضيتين إحداهما بالأخرى.
وأما الصورة الثالثة ، فهي وإن كانت كالصورة السابقة من حيث عدم إمكان إعمال قاعدة الجمع العرفي فيه ، لإجمال الدليل وعدم الحجة على تعيين المفاد الصالح للقرينية ، إلاّ أنه يمكن أن يتوصل ـ بقاعدة عقلية لا بجمع عرفي ـ إلى نفس النتيجة المطلوبة من الجمع العرفي ، بمعنى رفع الإجمال وتعيين مفاد الدليلين بنحو يرتفع التعارض من البين في بعض أمثلة هذه الصورة وأبرز مثال لذلك ما ورد في تحديد الكر من تحديده تارة : في مرسلة ابن أبي عمير بألف ومائتا رطل. وأخرى : في رواية محمد بن مسلم بستمائة رطل (١) ، مع إجمال كلمة الرطل وتردده بين الرطل الملكي الّذي هو ضعف الرطل العراقي وبين الرطل العراقي حيث يمكن رفع الإجمال والتنافي بين الدليلين وتحديد مقدار الكر بستمائة بالرطل المكي وألف ومائتا رطل بالعراقي ، لا على أساس حمل رواية محمد بن مسلم على المكي والمرسلة على العراقي فإنه لا معين لذلك مع الإجمال والتردد ، بل باعتبار أننا لا نعلم بكذب شيء من الروايتين بحسب منطوقهما اللفظي ، فيكون كل منهما محتمل الصدق والمطابقة للواقع ، وإذا لم نعلم بكذب واحد منهما كان مقتضى القاعدة شمول الحجية
__________________
(١) وسائل الشيعة باب ١١ من أبواب الماء المطلق ، حديث ـ ١ ، ٣.