باعتبار أن المعنى المتحصل ببركة أدوات العموم ، وهو سريان الحكم إلى كل فرد فرد من ذلك العنوان العام ، لم يكن يمكن تحصيله بالإطلاق ومقدمات الحكمة فإنها لا تفي إلاّ بإثبات الحكم على الطبيعة دون الأفراد.

والصحيح في إبطال هذا المسلك أن يقال : بأنه خلط بين الدلالة التّصورية والدلالة التصديقية. إذ ما ذا يقصد بالمراد في القول بأن أداة العموم وضعت لتدل على العموم بلحاظ ما يراد من مدخولها؟ فهل يقصد مفهوم المراد أو يقصد واقع المراد؟ لا مجال لتوهم الأول إذ من الواضح عدم تبادر مفهوم المراد إلى الذهن من العام. والثاني مدلول تصديقي وليس مدلولاً تصورياً فلا يمكن أن يكون هو مدلول الأداة لأن المداليل اللفظية الوضعيّة تصورية وليست تصديقية ، على ما حققناه مفصلاً في مباحث الوضع. فلو كانت أدوات العموم غير موضوعة لعموم ما يصدق عليه العنوان المدخول عليه الأداة لزم أن لا يكون لها مدلول تصوري ولا ينتقش في الذهن شيء عند سماعها من لافظ غير ذي شعور كالجدار مثلاً وهذا واضح الفساد ، إذ لا شك في أننا حينما نسمع العام من لافظ غير ذي شعور ننتقل إلى معنى العموم أيضا.

هذا ، مضافاً إلى أن الالتزام بهذا المسالك لا يكفي في تصحيح هذه المحاولة للإجابة على كلا السؤالين السابقين في جميع الحالات ، بل يبقى السؤال عن وجه تقديم الخاصّ على العام قائماً فيما إذا فرض أن دلالة الخاصّ كانت أيضا بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، كما إذا افترضنا ان دلالة صيغة الأمر على الوجوب بالإطلاق وورد ( لا يجب إكرام أي عالم ، وأكرم الفقيه ) فإنه في مثل ذلك كما يمكن جعل الخاصّ رافعاً للإطلاق ومقدمات الحكمة من العام كذلك يمكن اعتبار العام رافعاً للإطلاق ومقدمات الحكمة الجارية في صيغة الأمر فيحمل على الاستحباب.

المحاولة الثالثة ـ دعوى أن الخاصّ المتعقب للعام إنما يتقدم عليه باعتبار

۴۲۷۱