بالذات أي الحكم بوجوده الحقيقي ، والحكم (١) وإن كان متوقفا بالفرض على العلم توقف المشروط على شرطه ، إلا أن شرطه وهو حقيقة العلم كما عرفت لا يتوقف على وجود الحكم بل على ماهيّته.
ومنه تعرف أنه كما لا دور كذلك لا خلف ولا اجتماع المتنافيين من حيث التقدم والتأخر الطبعيين ، فإن العلم له التأخر الطبعي عن ذات متعلقه تأخر العارض عن معروضه ولا تأخر لمعروضه عنه ، وحقيقة الحكم لها التأخر الطبعي عن حقيقة العلم تأخر المشروط عن شرطه ، لكنه لا تأخر للعلم عن حقيقة الحكم ، بل عن ماهيّة (٢) المقوّمة له في أفق النفس ، فلم يلزم خلف ولا اجتماع المتنافيين.
ولا يخفى عليك أن الشرط وإن كان حقيقة العلم المطابق للواقع بحيث يكون المعلوم صورة شخص الحكم لا صورة مثله ، إلا أنه لا توقف للمعلوم بالذات على المعلوم بالعرض ، فلا دور بالواسطة.
والمفروض هنا تحقق الحكم حال تحقق العلم ، لأن الشرطية لا تقتضي إلا تحقق العلم المطابق ، سواء كان مطابقه مقارنا له زمانا أو سابقا عليه أو لا حقا.
ومما مرّ يندفع الدور بتقريب آخر : هو أن العلم موضوع الحكم لا متعلّقه المطلوب به ، والموضوع لا بد من أن يكون مفروض الثبوت ، فيلزم فرض ثبوت الشيء قبل ثبوته ، وهو ملاك الدور المحال.
ويندفع بأن مقتضاه فرض ثبوت العلم لا فرض الثبوت المعلوم ، وثبوت العلم لا يقتضي ثبوت المعلوم بالعرض كما عرفت.
مع أن ثبوت الشيء فرضا غير ثبوته التحقيقي ، فلا يلزم من فرض ثبوت الشيء هنا ثبوت الشيء قبل ثبوت نفسه ، فلا مانع من توقّف ثبوته التّحقيقي
__________________
(١) كذا في المطبوع والمخطوط بغير خط المصنف قده ، لكن الصحيح : فالحكم.
(٢) كذا في المطبوع والمخطوط بغير خط المصنف قده ، والصحيح : عن ماهيته.