الملازمة.
ولذا قلنا : بأن المقدمات وإن كانت لكل منها كبرى عقليّة أو شرعيّة ، إلا أن المقدمات حيث إنها بنحو القياس الاستثنائي مقدم القضيّة وحجية الظن عقلا أو شرعا بمنزلة التالي فمناط عقليّة الدليل عقليّة استلزام المقدم للتالي ، وهذا لا ربط له باستلزام المقدّمتين للنتيجة حتى يقال : إنه دائما عقلي بل استلزام المقدم للتالي بمنزلة الكبرى الكلّية ، فاذا كان استلزام المقدّم للتالي عقليّا كان ما هو بمنزلة الكبرى الكليّة عقليّا.
ومن الواضح أن وضع المقدم ربما يستند إلى شيء ووضع التالي إلى شيء آخر ، مثلا انخساف القمر مستند إلى الحسّ وحيلولة الأرض بينه وبين الشمس مستند إلى الحدس لدخول هذا الحكم في الحدسيّات اليقينيّة ، وكذا تغيّر العالم مستند إلى الحس والحدوث مستند إلى البرهان.
فدليل ذات الملزوم ليس دليلا على ذات اللازم ، بل دليل الملازمة عند وجود أحد المتلازمين دليل على الآخر ، فان معنى الملازمة ثبوت أحد الأمرين عند ثبوت الآخر ، فبسبب الملازمة يحكم بثبوت أحدهما عند ثبوت الآخر ، وما يرى من التلازم بين العلمين ، فهو من جهة ثبوت الملازمة بين المعلومين ، لا أن العلم بأحدهما علّة للعلم بالآخر ليكون سبب العلم بأحدهما سببا للعلم بالآخر.
لا يقال : ليس بابه باب التلازم ليرد عليه ما ذكر بل بابه باب تعيين ما هو الحجّة بدليل الانسداد بالإجماع مثلا ، فيكون تعيينا لما هو مدلول الدليل.
لأنا نقول : قد عرفت سابقا أن المقدمات عن اعتبار الخصوصيّات لا اقتضاء ، فلا يعقل الدلالة عليه واقعا حتى يكون الإجماع مثلا معيّنا لما هو مقتضى المقدمات ، فتدبّر جيّدا.