المقارن يتقوّم بعدمه المقتضي ، بخلاف المتأخر عنها ، فإنه يستحيل أن يكون المتأخر رادعا فعليّا عن المتقدم.

فعدم الرادع في موطن انعقاد السيرة هو المقوم لحجّيتها ، والمفروض عدم الرادع هناك ، فيتمّ اقتضائها ، فيكون حجة.

ويدور الأمر في العام المتأخر والسيرة المتقدمة بين أن يكون السيرة المتقدمة مخصصة له أو العام المتأخر ناسخا للحكم الإمضائي ، ورافعا لحجيتها ، ومع عدم الترجيح يكفي استصحاب حجية السيرة الثابتة قبل نزول الآيات الناهية.

ومما ذكرنا يظهر أن مساق الآيات وإن كان عدم اعتناء الشارع بالظن ولو من أول الأمر ، ولذا يتوهم أنه مع تأخرها كاشفة عن عدم إمضاء الشارع لها ، وأنه لا يقين حينئذ بالحجية سابقا حتى تستصحب.

لكنه توهم باطل لما عرفت من أن عدم الرضا الواقعي بل الردع الواقعي لا يمنع عن الحجية ، وإنما يمنع عن الحجية الردع الواصل حين انعقاد السيرة وثبوت الحجية هذا.

إلا أن يقال : أن عدم الردع في زمان يمكن فيه الردع هو المناط في حجية السيرة ، وحيث كان بناء التبليغ على التدريج فلعل زمان نزول الآيات أول أوقات إمكان الردع خصوصا عن مثل ما استقرت عليه سيرة العقلاء في كل ملّة ونحلة.

والتحقيق أنه لا فرق بين العام المقارن والمتأخر إلا من حيث جريان الاستصحاب في صورة تأخر العام بناء على لزوم الدور من الطرفين لا بناء على تقديم الآيات للوجه المزبور ، وإلا فلا مجال للأصل مع وجود الدليل.

وأما من حيث المزاحمة ، فلا لأن أصل حجية السيرة متقومة بعدم الردع حدوثا وبقاء ، فهي وإن كانت حدوثا تام الاقتضاء ، لكنها بقاء غير تام الاقتضاء

۴۴۰۱