الإرشاد حكاه بعض أجلة (١) العصر عن استاده « قدس سره » وهو أن الأمر بالعمل بالطريق في صورة انفتاح باب العلم الموافق للواقع إنما يعقل فيما إذا كان في تحصيل العلم بالواقعيات مفسدة غالبة على مصلحة ما لا يؤدى إليه الطريق ، فيجب على الحكيم مراعاة ، ما هو أقوى ، وصرف المكلف عن تحصيل العلم بالأمر بالعمل بالطريق.
وحيث إن بعض الطرق أقرب إلى الواقع من غيره ، فللمولى إرشاد العبد إلى كون الخبر أقرب إلى الواقع من غيره ، فالأمر بتصديق العادل ليس حكما مولويا وجعلا للحكم المماثل حقيقة ، بل إرشاد إلى أن قول العادل أقرب إلى الواقع.
وفيه أولا : أن البعث الإنشائي إلى شيء لا بد من أن يكون إرشادا إلى ما في متعلقه من الأثر المترقّب منه المرشد إليه ، فالأقربية صفة في الخبر لا في تصديق العادل ، والمفروض تعلق الأمر الإرشادي بتصديق العادل لا بنفس قول العادل وإخباره.
وثانيا : سلمنا أن معنى الإرشاد هنا هو أن العمل بالخبر عمل بالأقرب وهو عنوان للعمل يرشد إليه.
لكنه ليس كل بعث إنشائي إرشادا إلى أي شيء ، مثلا إذا قيل اعمل بالخبر دون غيره أمكن أن يكون إرشادا إلى أقربية الخبر من غيره.
وأما مجرد الأمر بالعمل بالخبر ابتداء فلا يكون إرشادا بمدلوله إلى كون الخبر أقرب من غيره ، وتخصيص الأمر بالعمل بخصوص الخبر وإن كان يدل بدلالة الاقتضاء وأن التخصيص بلا مخصص محال على أنه أقرب إلى الواقع من غيره ، لكنه لا دخل له بالإرشاد إلى الأقربيّة بنفس البعث.
وثالثا : سلمنا كونه إرشادا إلى الأقربيّة لكنه غير متكفّل لحجّية الخبر لا
__________________
(١) درر الفوائد / ٣٥٤.