بان مرجع الحكم العقلي إلى بناء العقلاء لأجل حفظ النظام. فلاحظ.
وعلى هذا ينتج لدينا إنكار حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، فالقاعدة المشهورة لا أساس لها.
وقد اختلف ما أفاده المحقق النائيني في هذا المقام بحسب تقريري بحثه.
ففي تقريرات المرحوم الكاظمي : ان عدم العقاب في مورد عدم البيان الواصل إنما هو لأجل ان فوات مطلوب المولى ومراده الواقعي لم يستند إلى المكلف بعد إعمال وظيفته من الفحص عن الدليل ، بل هو مستند إما إلى المولى نفسه فيما إذا لم يستوف مراده ببيان يمكن وصول العبد إليه عادة ، واما إلى بعض الأسباب الأخرى الموجبة لاختفاء مراد المولى على المكلف ، كإخفاء الظالمين أو تسبيبهم لضياع الأحكام. ولأجل عدم استناده إلى المكلف يستقل العقل بقبح مؤاخذته (١).
وفي تقريرات السيد الخوئي : ان حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان لأجل ان التكليف الواقعي عند عدم الوصول لا مقتضي التحريك فيه بنفسه ، بل التحريك يتقوم بوصول التكليف وإحرازه ، فان الأسد الخارجي لا يوجب الفرار عنه إلا بعد إحراز وجوده ، كما ان وجود الماء واقعا لا يستلزم تحرك العطشان إليه إلا بعد إحراز وجوده.
وعليه ، فالعقاب على مخالفة التكليف غير الواصل عقاب على ما لا يقتضي بنفسه المحركية ، ولا ريب في قبح ذلك كما يظهر بأدنى تأمل في أحوال العبيد مع مواليهم العرفية (٢).
وستعرف الإشكال في كلا البيانين بعد أن نذكر كلام المحقق الأصفهاني
__________________
(١) الكاظمي الشيخ محمد علي. فوائد الأصول ٣ ـ ٣٦٦ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.
(٢) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ ـ ١٧٦ ـ الطبعة الأولى.