الثاني : انها تتكفل الحكاية عن عذاب الأمم السابقة ، وانه لم يكن يحصل الانقياد لقول الرسول ، فلا ربط لها بما نحن فيه. والوجه فيه هو ما يظهر من لفظ : « كنّا » في كونه حكاية عن الفعل في الزمان الماضي.

الثالث : ان غاية ما تتكفله هو نفي العذاب الفعلي ، وهو لا يلازم عدم الاستحقاق لإمكان ان يكون منشؤه ـ مع تحقق الاستحقاق ـ هو المنّة على العباد واللطف بهم ، ومركز البحث بين الأخباريين والأصوليين هو الاستحقاق وعدمه لا ثبوت العذاب وعدمه. وهذا الإيراد لصاحب الكفاية رحمه‌الله (١).

والّذي نراه : ان الآية الشريفة وافية بالمدعى ، وانه لا وقع لجميع هذه الإيرادات.

وذلك لأن ما قبل الآية هو قوله تعالى : ﴿ وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا ... .

ومن الواضح ان ظاهر هذه الفقرات المتعددة أنها لبيان ان الطريقة المشروعة في مقام العذاب والثواب وان العذاب لا يكون إلاّ على طبق الموازين العقلائية ، ولذا لا تزر وازرة وزر أخرى ، والهداية للنفس والضلالة عليها ، فتكون ظاهرة في نفي العقاب عند عدم الحجة لأنه على خلاف الموازين وان تقيّده بقيام الحجة مما تقتضيه الموازين فنفي العذاب ، وإن كان في حد نفسه أعم من نفى الاستحقاق ، لكنه في المقام ظاهر في ان منشأه هو عدم الاستحقاق.

وبتوضيح آخر نقول : ان قوله تعالى : ﴿ وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً لا ظهور له في إرادة الزمان الماضي عن وقت التكلم ، بل هو ظاهر في

__________________

(١) الخراسانيّ المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٣٩ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

۵۵۹۱