إذ ليس المدعى ان التعبد بالعدم ممتنع لعدم القدرة عليه ، بل لأجل انه لغو لا يصدر من العاقل الحكيم بما هو عاقل حكيم وهذا لا ينفي الاختيار ، فلا يمنع من تحقق نقيضه في مورد لا يكون لغوا. فمثلا لو لم يقم شخص لعدم كون القيام ذا أثر عملي ، فهل يتوهم انه لا يستطيع الجلوس في بعض الموارد فيأتي به لو كان ذا أثر عملي؟.
وبالجملة : هذا التوهم لا يستحق الذّكر لما بيناه.
ثم ان المحقق العراقي قدسسره تصدى لبيان الإشكال في استصحاب عدم الحجية ، فقربه : بان الأثر لما كان مترتبا على الجامع بين عدم العلم والعلم بالعدم ، فبما ان الشك في مرحلة سابقة على الاستصحاب لأنه مأخوذ في موضوعه ، فعند حصول الشك يترتب الأثر ولا مجال للاستصحاب حينئذ لأنه لا يتكفل رفع الشك ، إذ هو يتكفل التعبد مع فرض المكلف شاكا. وبذلك يفترق الاستصحاب عن الأمارة على عدم الحجية ، فانها تتكفل رفع الشك بخلاف الاستصحاب ، وإذا ترتب الأثر في مرحلة سابقة على الاستصحاب لا معنى لجريانه حينئذ ، لأنه تحصيل الحاصل (١).
وهذا البيان لا يزيد عما تقدم منا في بيان الإشكال الا في تكفله لنفي الحكومة المدعاة.
وقد أجاب قدسسره عن هذا الإشكال : بان الشك في الحجية كما يكون موضوعات للقاعدة ـ يعني قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ يكون موضوعا للاستصحاب ، وعند الدوران بينهما لا بد من تقديم الاستصحاب ، لأنه يرفع موضوع القاعدة لرفعه الشك تعبدا ، بخلاف القاعدة فانها لا ترفع موضوع الاستصحاب فيكون إجراؤها مستلزما لتخصيص دليل الاستصحاب (٢).
__________________
(١) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٨١ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.
(٢) البروجردي الشيخ محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٨٢ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.