ذلك أبحاث أصول الفقه ، بعد أن كانت بصورة بدائية وأصبحت ذات شأن خطير واعتبرت علماً مستقلاً عن الفقه له أسسه ومناهجه الخاصة به ، بعد أن كانت تعيش على مائدة الفقه وتعتبر من توابعه.

والحق : أن الدراسات الأصولية الموسعة ، وما جدّ وتطور منها لتمثل ـ في رأيي ـ أبرز معالم الفكر الشيعي أصالة وعمقاً وتعبّر عن أروع ما تجلت به عبقرية علماء الإمامية وقدراتهم الفكرية الخلاقة ، في استنتاج القواعد العامة بتفاصيلها ودقائقها في مجالات مختلفة ، من قضايا العرف واللغة ، أو أحكام العقل والعقلاء ، أو أحكام الشرع المقدس. حتى أصبح البون شاسعاً جداً بين ما انتهت إليه الدراسات الأصولية الموسعة اليوم لدى علماء هذه الطائفة ، وبين ما كانت عليه من ذي قبل ، بحيث لا يمكن لأية حركة اجتهادية ترمي إلى بلوغ الحكم الشرعي ، أن تستغني عن هذه الدراسات ، وأن أية ممارسة فقهية للاستنباط ، بعيدة عن مناهج هذه الدراسات لتبدو هزيلة جداً حينما تقارن بممارسات الاستنباط القائمة على أساسها.

وهذا الكتاب ، هو الجزء الرابع من القسم الثاني من كتابنا ( بحوث في علم الأصول ) الّذي يمثل بدوره حلقة من حلقات تلك الحركة الفكرية ، حيث يعرض آخر ما انتهى إليه الفكر الأصولي في مرحلته الحاضرة من مراحل تطورها لدى علمائنا.

ويشتمل هذا الجزء على قسم تعارض الأدلة ـ التعادل والترجيح ـ من أبحاث علم الأصول ، التي استفدتها خلال تشرفي بحضور مجلس درس سيدي المفدي وأستاذي الأعظم ، سماحة آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ دام ظله الشريف ـ عند ما كان يواصل دورته الأولى من محاضراته في علم الأصول في جامعة العلم الكبرى « النجف الأشرف ».

وكان ـ دام ظله ـ قد أفاض في مباحث التعادل والتراجيح بتاريخ « ٨ شعبان لسنة ١٣٩٠ هجرية » حين انتهى به المطاف إليها في دورته الأصولية

۴۲۷۱