لم يظهر من سؤاله فرض العلم بالإلزام وإنما الّذي فرضه ورود خبرين متعارضين وهذا لا يلزم العلم منه بجنس الإلزام إذ يحتمل كذبهما معاً. فإن أراد السيد الأستاذ من التخيير المستفاد من الرواية ما يقابل البراءة فإذا كان يستفيد العلم بجنس الإلزام من مجرد فرض السائل روايتين إحداهما تأمر والأخرى تنهى ، فهو غير تام كما عرفت. وإذا كان يدعي أن جامع الإلزام يثبت بنفس هذين الخبرين المتعارضين ، لدلالة الرواية على حجية أحدهما في الجملة فهذا أمر زائد على مقتضى القاعدة ، ويكون من حيث النتيجة العملية كالحجية التخييرية لأحدهما في موارد الدوران.
وإذا أراد من التخيير المستفاد من الرواية ما يعم البراءة وعدم التخيير غاية الأمر أنها بملاك العجز وعدم القدرة على الاحتياط لا بملاك الجهل ، وهو لا يفرق فيه بين فرض العلم بجنس الإلزام وعدمه ، فهذا مرجعه إلى مناقشة أخرى في الرواية وهي دعوى : أن مفادها ليس بأكثر من السعة بمعنى البراءة وعدم المنجزية لا التخيير ، سواء كان موردها فرض الدوران بين المحذورين أم لا.
والتحقيق ، أن الاستدلال بهذه الرواية على التخيير المزعوم غير تام ، وذلك لوجهين :
الأول ـ قوة احتمال أن يكون الملحوظ فيها حالات التعارض الواقعة في أصول الدين ونحوها من مسائل الجبر والتفويض والقضاء والقدر والبداء والمشيئة بقرينة التعبير الوارد في كلام السائل ( أحدهما يأمر بأخذه ) فإن النّظر لو كان إلى الفروع كان الأنسب أن يعبّر بالأمر بفعله. إذ التعبير بالأخذ يناسب الأمور الاعتقادية. وكذلك التعبير الوارد في جواب الإمام ٧ من قوله ( يرجئه حتى يلقى من يخبره ) فإن الإرجاء ـ وكذلك التعبير بمن يخبره ـ يناسب الاعتقادات التي تطلب فيها المعرفة لا الفروع التي يطلب فيها الامتثال ويكون الإرجاء فيها موجباً عادة للتفويت ، مضافاً إلى قلة فروض الدوران