والصحيح : عدم انقلاب النسبة بين الدليلين المتعارضين ، لأن كل النكات والمصادرات المتقدمة لتخريج نظرية التخصيص لا تقتضي أكثر من تقديم الخاصّ بحسب ظهوره على العام. وتوضيح ذلك : أن الوجوه التي ذكرناها لتخريج نظرية التخصيص المنفصل ثلاثة. وكلها لا تصلح لإثبات انقلاب النسبة. أما الأول ، وهو أن يقال بإلغاء الفواصل الزمنية بين الخطابات الشرعية في مقام اقتناص المراد منها. فلو أريد به الإلغاء الحقيقي فهذا واضح البطلان ولم يدعه أحد أيضا ، إذ لازمه عدم انعقاد الظهور من العموم لا في موارد التخصيص بالمنفصل ولا في موارد مجيء المعارض. وإن أريد به اعتبار تلك الفواصل ملغية بين ذي القرينة والقرينة فحسب ـ كالعام مع مخصصه مثلاً ـ فمن الواضح أن هذا لا يقتضي الانقلاب إلاّ بافتراض مصادرةً زائدة ، أي بافتراض إلغاءين طوليين. أحدهما ، إلغاء الفاصل الزمني بين العام والخاصّ واعتبار هما بحكم الكلام المتصل. والآخر ، إلغاء الفاصل الزمني بين العام الآخر وهذا الكلام المتصل الّذي تكوّن ببركة الإلغاء الأول. فما لم يدّع الإلغاء الثاني لا يمكن تفسير انقلاب النسبة على هذا الأساس. وهذا معنى احتياج تطبيق ذلك التخريج إلى افتراض مصادرة زائدة تتمثل في الإلغاء الثاني ، بينما التخصيص الساذج الاعتيادي لم يكن يتوقف إلاّ على التسليم بالإلغاء الأول ، ولا ملازمة بين الإلغائيين كما هو واضح.
وأما الثاني ـ وهو أن يكون المخصص المنفصل منزلاً في الآثار الشرعية منزلة المخصص المتصل تعبداً فلأن غاية ما يفترض فيه من عناية التنزيل إلغاء خصوصية الانفصال تعبداً وتنزيلاً مع التحفظ على الشرائط الأخرى التي لا بد من توفرها في المخصص المتصل من قبيل كونه بحسب الظهور أخص ، وهذا لا ينطبق في المقام ، فإن العام المخصص بالمنفصل ليس مصداقاً لموضوع دليل التنزيل لأن الموضوع الّذي يعطيه دليل التنزيل حكم الأخص المتصل هو الأخص المنفصل والعام المخصص بالمنفصل ليس أخص. نعم إذا افترضنا