ما يخصص مدلوله بنحو يكون ما عدا المقدار المخصص أخص من معارضه ، فسوف يكون المقدار الحجة من العام المخصص أخص من المعارض الآخر ، فيتقدم عليه بقانون التخصيص. ونحن لا نشك في صحة المقدمة الأولى من هاتين المقدمتين وإنما نختلف مع هذه المدرسة في المقدمة الثانية التي رتبتها وادعت بداهتها بعد الفراغ عن نظرية التخصيص. والواقع أن مجرد الفراغ عن نظرية التخصيص والجمع العرفي بين العام والخاصّ بحمل العام على الخاصّ لا تثبت ما حاولته هذه المدرسة من تقديم كل حجة أخص على حجة أعم. ذلك أن كل دليل لفظي يتضمن اعتبارين ، اعتبار أنه كلام له ظهور كاشف عن مرام المتكلم ، واعتبار أنه حجة في إثبات ذلك المرام. والمعارضة بين الدليلين وإن كان بلحاظ الاعتبار الثاني دائماً ، لأن التعارض إنما هو التنافي في الحجية ، إلاّ أن المصادرة العقلائية الإضافية زائداً على الحجية التي كانت هي مدرك نظرية التخصيص كما يُعقل أن تقتضي تقديم الخاصّ بما هو حجة على العام ، كذلك يعقل أن تقدم الخاصّ بما هو كلام ظاهر على العام ، وتشخيص أن ملاك التقديم أي الأخصيتين لم يتقدم البحث عنه ولم يُقم برهان عليه. فلا يصح تفريع هذه المسألة على تلك. بل لا بد من تحقيق ذلك في هذا المقام ، على ما سوف يأتي إن شاء الله تعالى.
البيان الثاني : ويترتب من مقدمتين أيضا ، أولاهما ـ أن كل كلام يصدر من المولى يحتوي على ثلاثة ظهورات ، الظهور التصوري ، والظهور التصديقي الاستعمالي ، والظهور التصديقي الجدي ، ـ وقد تقدم شرح هذه الظهورات ـ والمخصص سواء كان متصلاً أو منفصلاً يرفع الظهور الثالث لا محالة ، حيث يكشف عن عدم إرادة العموم جداً ، وإنما يختلف المخصص المتصل عن المنفصل في ارتفاع الظهور الثاني بل الأول أحياناً. ثانيتهما ـ ان كل دليل يكشف عن المراد الجدي ويكون بحسب ظهوره الكاشف أخص مطلقاً من الدليل الآخر يتقدم عليه بالتخصيص. وعلى