لأن كلاّ من الدليلين يكون له دلالة ظهورية ودلالة صريحة ، فالأمر يدل بمظاهره على الوجوب ويكون صريحاً في الرجحان ، ودليل الترخيص ظاهر في الإباحة بالمعنى الأخص ونصّ في نفي الإلزام ، فيرفع اليد عن ظهور كل منهما بصراحة الآخر وينتج الاستحباب.

وهذا الوجه في تفسير قاعدة الجمع غير تام أيضا. وذلك باعتبار أن أحد الدليلين إنما يتقدم على الدليل الآخر المعارض له بالجمع العرفي ، فيما إذا كان مدلوله متعيناً للقرينية ـ ولو بملاك النصوصية أو الأظهرية ـ بحيث لا يحتمل فيها أن يكون هادماً لمدلول الدليل المعارض ، وفي المقام ليست استفادة الرجحان من دليل الأمر ، أو القضية المهملة من المطلق ، بدلالة مستقلة صريحة أو أظهر من مدلول الدليل المعارض لكي يكون قرينة عليه ومورداً لقاعدة الجمع العرفي ، وإنما هو مدلول مستخلص من مفادين يتردد بينهما الدليل ويكون على أحدهما معارضاً مع الدليل الآخر ، لأنه يهدم أصل ظهوره ، وعلى الآخر قرينة عليه. ومثل هذه الدلالة لا تكون مورداً للجمع العرفي.

وتفصيل ذلك وتحقيقه بأن يقال : إن الدليل إذا تردد مفاده بين معنيين محتملين في أنفسهما يكون على أحدهما معارضاً وعلى الآخر صالحاً للقرينة ، فتارة : يفترض ظهوره في المعنى الصالح للقرينية ، وأخرى : يفترض ظهوره في المعنى المعارض ، وثالثة : يكون مجملاً مردداً بينهما.

أما الصورة الأولى ، فلا إشكال فيها فيها في تقديم أحد الدليلين على الآخر بعد افتراض أن مفاده الظاهر منه صالح للقرينية على الآخر. ولعل من أمثلة ذلك ما إذا كان دليل الترخيص ظاهراً في الإباحة العامة ـ نفي الإلزام ـ كما إذا ورد ( لا تصل في الحمام ) و ( لا بأس بالصلاة في الحمام ) فإن دليل الترخيص وإن كان يحتمل في حقه الإباحة الخاصة وبناء عليها يكون هادماً

۴۲۷۱