وأما بناء على الحالة الثانية ، وهي ما إذا فرض تنزيل الخطابات المنفصلة منزلة المتصلات في الآثار الشرعية ، فهذا التنزيل وإن كان يعقل فيه أن يكون على أساس الحكومة ونظر دليل حجية الخاصّ المنفصل إلى دليل حجية العام لتنزيله إياه منزلة العام المتصل به الخاصّ في الآثار الشرعية المترتبة عليه ، إلاّ أنه بعد ثبوت هذا التنزيل تكون حجية العام مقيدة لباً بعدم ورود القرينة على خلافه ، فيكون الخاصّ بوروده رافعاً لموضوع حجية العموم ، فالحاكم إنما هو دليل حجية الخاصّ لا نفسه.
وبهذا يتضح : أن ما أفيد من قبل مدرسة المحقق النائيني ـ قده ـ في توجيه الحكومة غير تام. فإن كل دليل وإن كانت حجيته مقيدة لباً بعدم العلم على خلافه ، إلاّ أن هذا لا يكفي ملاكاً لتقديم الخاصّ على العام فضلاً عن كونه حاكماً عليه ، إذ لا موجب لافتراض الخاصّ هو الحجة في مقابل العام دون العكس كي يتحقق علم تعبدي على خلاف العموم ما لم توجد في المرتبة السابقة نكتة تستوجب تقديم أحد الظهورين المتعارضين على الآخر ، فلا بد من ملاحظة تلك النكتة ليرى هل تقتضي أن تكون النسبة بين الخاصّ ودليل حجية العام الورود أو الحكومة كما صنعنا آنفاً. وقد تقدم شطر من الكلام حول هذا الموضوع في أول الكتاب حينما كان يراد جعل هذا التقريب بنفسه نكتة لتقديم الخاصّ على العام.
بل التحقيق أنه لا يمكن أن يكون الدليل الخاصّ حاكماً على دليل حجية العام ولو تجاوزنا هذه النقطة ، لأن أدلة الحجية أدلة لبية وهي لا تتحمل الحكومة ، لأنها ـ على ما تقدم ـ عبارة عن كون أحد الدليلين مفسراً وشارحاً للمقصود من الدليل الآخر وهو غير معقول في الأدلة اللبية التي ليس لها ألسنة وظهورات كي تفسر وتشرح.
النقطة الثانية ـ في وجه تقديم سند القرينة الظني ـ كالخالص الثابت بخبر الثقة ـ على دلالة ذي القرينة ـ كالعام ـ ولنفترض لمزيد التوضيح أن سند