بحسب ما يكتنف بالكلام من ملابسات وقرائن ، ولا تكفي النصوصية المتولّدة من مجرد علم خارجي يحصل صدفة ، كما ذا انتفى من الخارج احتمال في أحدهما موجود في الآخر. والوجه في ذلك واضح على ضوء ما تقدم ، فإن ملاك هذا التقديم إما القرينية أو التزاحم بين المقتضيين في مقام التأثير وكلاهما يختصان بما إذا كان الخطاب بما له من درجة الكشف والظهور قرينة أو أقوى اقتضاء من الآخر.
ثم أنه يمكن أن يخرج على أساس هذه القاعدة الجمع بين الخبرين المتعارضين بحمل ما يوافق منهما للعامة على التقية كجمع عرفي في حالات التعارض. وذلك بتطبيق الأظهرية أو النصوصية على مرحلة الظهور التصديقي من الدليلين المتعارضين فيما إذا أوجبت الموافقة أو المخالفة مع مجموع الملابسات والقرائن اختلافاً في درجة الظهور في الجدية.
إلاّ أن هذا الجمع لا يبعد أن يكون طولياً بالنسبة إلى أنحاء الجمع العرفي الأخرى فلا تصل النوبة إليه إلاّ بعد عدم إمكان التوصل إلى جمع عرفي بأحد تلك الأنحاء. وتطبيقاً لهذه الكبرى نستشهد بما ورد في الفقه في مسألة طهارة أهل الكتاب ونجاستهم ، فإن فيها طائفتين من الروايات دلت إحداهما بالصراحة على طهارة الكتابي ، ودلت الأخرى بالظهور على نجاسته (١) فلو لا أنه كان يمكن علاج هذا التعارض في مرحلة المدلول الاستعمال بحمل الأخبار الظاهرة في النجاسة على التنزه كنا نجمع بينهما بحمل أخبار الطهارة على التقية باعتبار موافقتها للعامة ومخالفة أخبار النجاسة لها.
ولعل النكتة في تأخر مرتبة هذا الجمع أن الجمع بأحد الأنحاء الأخرى أكثر شيوعاً وعمومية من الجمع بلحاظ مرحلة الدلالة الجدية ، فإن إرادة المقيد من المطلق أو الخاصّ من العام بناء عقلائي نوعي بخلاف إرادة التقية مما ظاهره الجدّ فهي عناية شخصية لظروف خاصة بالإمام فتكون أشد مخالفة.
__________________
(١) راجع الجزء الثالث من بحوث في شرح العروة الوثقى ، ص ٢٦٣.