تنافي ذا القرينة ومجرد كون القرينة شخصية لا نوعية وبإعداد المتكلم نفسه لا بقانون عرفي عام لا يستوجب رفع التنافي بين الدليلين كما هو واضح. وعلى هذا الأساس كان لا بد في إثبات عدم سريان التعارض في حالات الحكومة إلى دليل الحجية وكونها من التعارض غير المستقر من التسليم بكبرى عرفية تقول : بأن ظهور ما يعده المتكلم لتفسير كلامه يكون هو المحدد النهائيّ لمدلول مجموع كلامه ، إذ من دون التسليم بهذه الكبرى كمصادرة عقلائية في باب المحاورات لا يكفي مجرد فرض الحكومة ونظر أحد الدليلين للآخر مبرراً لتقديمه عليه في الحجية. وهذه المصادرة التي افترضناها لنظرية الحكومة تكفي بنفسها لتخريج الحكومة وتقديم الدليل الحاكم على المحكوم سواء كان متصلاً به أو منفصلاً عنه فلا نحتاج في تقديم الحاكم المنفصل إلى مصادرة إضافية ـ كما نحتاج إليها في التخصيص على ما سوف يأتي ـ فإن نكتة أن للمتكلم أن ينصب القرينة بنفسه لتحديد مرامه من خطابه نسبتها إلى القرينة المتصلة والمنفصلة على حد سواء وإن كانت القرينة المتصلة تختلف عن المنفصلة من حيث تأثيرها على ظهور ذي القرينة وهدمها له في حين أن القرينة المنفصلة تهدم الحجية فحسب.
هذا ولكن هناك بيانين آخرين يترددان في كلمات مشهور المحققين لوجه تقديم الحاكم على المحكوم غير ما ذكرناه ، وهما.
البيان الأول : دعوى خروج موارد الحكومة عن التعارض الحقيقي بين الدليلين لأن الدليل المحكوم يدل على قضية شرطية مفادها ثبوت الجزاء على تقدير ثبوت الشرط ، فقوله تعالى ﴿ وَحَرّمَ الرّبا ﴾ (١) يدل على قضية شرطية مفادها أن ما كان رباً فهو حرام والقضايا الشرطية لا تتكفل إثبات الشرط أو نفيه إذ لا نظر لها إلاّ إلى الملازمة بين ثبوت الجزاء وثبوت الشرط والدليل الحاكم الدال على أنه لا ربا بين الوالد وولده ناظر إلى الشرط في
__________________
(١) سورة البقرة : آية ٣٧٥.