الدليل الآخر ، إما لورود أداة التفسير فيه مثل ( أي ) و ( أعني ) ، أو لصيرورة الدليل الحاكم لغواً عند فرض عدم وجود الدليل المحكوم ، كما في قوله ٧ « لا رِبا بينَ الوَالدِ ووَلَدِهِ » الشارح لعقد الوضع في دليل حرمة الرّبا ، فيكون نافياً للحكم بلسان نفي الموضوع أو قوله ٧ : « لا ضَرَر ولا ضرار » وقوله تعالى : ﴿ ما جَعَلَ عَليكم في الدّين مِن حَرَجٍ ﴾ الشارح لعقد الحمل في الأدلة المثبتة للتكاليف بعمومها في موارد الضرر والحرج ، وبيان أن المراد ثبوتها في غير موارد الضرر والحرج.
الثاني : ما يكون أحد الدليلين رافعاً بمدلوله لموضوع الحكم في الدليل الآخر وإن لم يكن بمدلوله اللفظي شارحاً له ، وذلك : كحكومة الأمارات على الأصول الشرعية ، فإن الأمارات لا تكون شارحة للأصول فإن جعل الأمارة لا يكون لغواً لو لم يكن الأصل مجعولاً ، ولكن الأمارة تكون موجبة لارتفاع موضوع الأصل بالتعبد الشرعي ، ولا تنافي بينهما ليدخل في التعارض.
والوجه في ذلك : أن الدليل المحكوم متكفل لبيان حكمه ولا يكون متكفلاً لتحقق موضوعه بل مفاده قضية شرطية ـ لما بينا من أن مرجع القضية الحقيقية إلى قضية شرطية ـ وأما الدليل الحاكم ، فهو يتصدى لبيان انتفاء الشرط ولا تنافي بين القضية الشرطية التي تدل على ثبوت التالي عند ثبوت الشرط وبين القضية الدالة على انتفاء الشرط ، لأن القضية الشرطية لا تتكفل بيان تحقق الشرط. ففي الأصل والأمارة يكون الموضوع المأخوذ في أدلة الأصول هو الشك ، وأما أن المكلف شاك أو غير شاك فهو خارج عن مفادها ، والأمارة ترفع الشك بالتعبد الشرعي فلا يبقى موضوع للأصل.
وظهر بما ذكرناه : أن الدليل الحاكم يتقدم على المحكوم ولو كان بينهما عموم من وجه ، لارتفاع موضوع المحكوم في مادة الاجتماع بلا فرق بين كون الحاكم أقوى دلالة من المحكوم أو أضعف.