ناحية المنتهى ، أعني مقام الامتثال ، إذ يمتنع امتثال الحكم الزاجر والحكم الباعث في عرض واحد ، لامتناع تحقق الانزجار والانبعاث في آن واحد ، وهكذا يمتنع تحقق داعيين مستقلين نحو فعل واحد في آن واحد ، ونتيجة ما ذكره : انه لا يتحقق التعارض فيما لو كان أحد الحكمين مجهولا لعدم محركية نحو متعلقه ، فلا يتحقق التكاذب بين دليليهما ، على خلاف الحال فيما لو قيل بتحقق التضاد في المبدأ إذ لا يرتبط ذلك بالعلم والجهل ، بل وجود المصلحة والمفسدة والإرادة والكراهة واقعي (١).
كما عرفت ـ هناك ـ مخالفتنا مع المحقق الأصفهاني والتزامنا بالتضاد في المبدأ أيضا ، إذ لا يمكن اجتماع مصلحة ومفسدة ملزمتين ، ونتيجته عدم اجتماع الكراهة والإرادة لأنهما ينشئان بلحاظ وجود المفسدة الراجحة والمصلحة الراجحة ، بل اما ان تتساوى المصلحة والمفسدة فلا إرادة ولا كراهة ، واما ان ترجح المصلحة فتتحقق الإرادة أو المفسدة فتتحقق الكراهة. وهكذا يلتزم بعدم إمكان تحقق إرادتين مستقلتين بفعل واحد ، لا من جهة عدم إمكان تحقق مصلحتين ملزمتين ، فانه ممكن لا محذور فيه ، وانما هو من جهة ان تعدد المصلحة لا يصير منشئا لتعدد الإرادة ، بل يصير منشئا لحصول إرادة واحدة أكيدة.
فعدم اجتماع المثلين يختلف عن عدم اجتماع الضدين من الحكمين ، فالمقصود من عدم اجتماع المثلين عدم اجتماعهما بحدهما مع وجودهما بواقعهما ، بخلاف المقصود من عدم اجتماع الضدين فان المراد به عدم اجتماعهما بواقعهما ـ نعم لا تضاد ولا تماثل بين الإنشاءين ، فان الإنشاء خفيف المئونة ـ.
وعلى ما ذكرناه واخترناه نقول : انه لا يمكن اجتماع حكمين متماثلين ـ كوجوبين ـ مستقلين في الداعوية والحد ، بل يمكن اجتماع حكمين بنحو التأكد ،
__________________
(١) راجع ٣ ـ ٨١ ـ ٨٢ من هذا الكتاب.