التكليف إلا في فرض العلم ، فقول المولى لا تشرب الخمر ، يرجع في الحقيقة إلى طلب اختيار ترك شرب معلوم الخمرية.
هذا ما يصلح لتقريب الدعوى ويناقش :
أولا : بان ما ذكر من ان التحرك والانبعاث والإرادة مما يتوقف على العلم ، وان العلم تمام الموضوع بالنسبة إليها ، غير صحيح ، إذ الإرادة تتحقق في صورة الاحتمال فالعطشان لو احتمل وجود الماء لديه تحرك نحوه باحثا عنه في مظان وجوده ، ومن أقدم على فعل مع الاحتمال وتبين مصادفته للواقع ، يرتب عليه آثار الفعل الاختياري ، فلو رمى شخص شبحا بالرصاص محتملا انه إنسان كما انه يحتمل ان يكون شجرة ، فتبين أنه إنسان وقتل بالرصاص ، رتب على قتله آثار القتل الاختياري.
نعم الإرادة تتفرع عن الالتفات ولو لم يكن جزم ، فمع الغفلة عن شيء يستحيل التحرك نحوه ، ومن هنا لا يتحرك العطشان مع غفلته عن وجود الماء في الغرفة وقد يموت عطشا والماء لديه لغفلته عن وجوده.
وبالجملة : دعوى عدم تأثير الخارج في الإرادة والحركة وان كانت صحيحة ، بل قام عليها البرهان ، لأن الإرادة من صفات النّفس ويستحيل تأثير ما هو خارج عن أفق النّفس فيما هو من صفاتها ، وإلاّ لانقلب الخارج نفسا والنّفس خارجا. إلاّ ان دعوى عدم تحققها الا في صورة الإحراز غير صحيحة لتحققها مع الاحتمال كما عرفت ، ويترتب على الفعل آثار الفعل الاختياري ، ولذا يترتب على الانقياد المصادف للواقع أثر الإطاعة.
وثانيا : ان ارتباط الإرادة بالعلم وعدم ارتباطها بالخارج ، لا يعني عدم صحة أخذ الخارج في موضوع التكليف ، بل هو مأخوذ فيه ، وذلك لأن المطلوب ليس مطلق الإرادة وانما إرادة الفعل الخاصّ ، فالفعل الخاصّ مرتبط بمتعلق التكليف ، فإذا فرض عدم أخذه في المتعلق لعدم اختياريته فيكون مأخوذا في