الثالثة : ان مرتبة الحكم الظاهري محفوظة في موارد العلم الإجمالي ، إذ كل من الطرفين مشكوك الحكم ومجهوله ، فيكون موردا للأمارة وموضوعا للأصل.
ومن هنا تظهر نكتة التعبير بالمرتبة لا الموضوع ، إذ الجهل ليس موضوعا للأمارة ـ كما يقال ـ ، وانما هو مورد لها ولوحظ فيها بنحو الموردية لا الموضوعية ، فمقصوده بانحفاظ المرتبة ثبوت محله ومقامه أعم من الموضوع والمورد.
وبهذه المقدمات تعرف ما ذهب إليه صاحب الكفاية من عدم كون العلم الإجمالي علة تامة للتنجيز ، إذ مع شمول دليل الأصل للطرفين وثبوت حكم الأصل الظاهري ـ كما هو مقتضى المقدمة الثالثة ـ لا يكون الحكم الواقعي المعلوم تام الفعلية ـ كما هو مقتضى المقدمة الثانية ـ وعليه فلا يكون العلم به منجزا ـ كما هو مقتضى المقدمة الأولى ـ.
نعم ، لو لم يثبت حكم الأصل يرتفع المانع عن فعلية التكليف ، فيكون العلم به منجزا. وهذا هو معنى اقتضائه للتنجز ، فالمراد به انه يكون منجزا لو لم يمنع مانع.
فليس العلم الإجمالي كالشك لا يؤثر في التنجيز أصلا ، إذ يكون مؤثرا فيه بالوجدان مع عدم المانع بحيث تصح مؤاخذة العبد على مخالفة التكليف المعلوم بالإجمال ، وليس هو كالعلم التفصيليّ في كونه علة تامة للتنجيز ، لعدم انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في مورد العلم التفصيليّ فلا مانع من فعلية التكليف وانحفاظها في مورد العلم الإجمالي فيأتي فيه الكلام السابق.
ولا يخفى عليك ان المقدمة الأولى والمقدمة الثالثة ـ بالمعنى الّذي عرفته ـ لا تقبلان المناقشة ، إذ لا مجال للمناقشة في ان العلم لا يكون منجزا إلاّ إذا تعلق بحكم فعلي وأصل إلى مرحلة البعث والزجر فعلا. ولا للمناقشة في ان كلا من الطرفين مجهول ، وهو مقام الحكم الظاهري.
فإذا كانت هناك مناقشة فلا بد ان تتركز على المقدمة الثانية. ومع تماميتها