عرفت عدم اقتضائها هذا النحو من الحجية ، والأدلة اللفظية المتمثلة في بعض الآيات أو الروايات القطعية ، بين ما لم يصرح فيه بكبرى الحجية وإنما قدرت الكبرى باعتبار مركوزيتها ـ كما في مثل قوله ٧ العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك فمعنى يؤديان ـ والمفروض عدم وفاء تلك الكبرى المركوزة لإثبات هذا النحو من الحجية ، وبين ما صرح فيه بالكبرى ولكن في سياق إمضاء ما عليه البناء العقلائي ، فلا يكون فيه إطلاق أوسع مما عليه السيرة العقلائية نفسها.
ومن خلال مجموع ما ذكرناه اتضح الحال في القول الثاني ، وهو القول ببقاء الحجية في الجملة في تمام موارد التعارض.
وأما القول الثالث الّذي ذهب إليه المحقق العراقي ـ قده ـ فهو ـ على ما جاء في تقريرات بحثه ـ التفصيل بين ما إذا كان الخبران متنافيين بحسب مدلولهما فيحكم فيه بالتساقط المطلق ، وبين ما إذا لم يكن تناف بين مدلول الخبرين ، بل يمكن صدقهما معاً لكنه علم بكذب أحد الرّاويين المستلزم لدلالة كل منهما بالملازمة على كذب الآخر فيحكم فيه بالحجية وتنجيز مدلولهما على المكلف ، وقد أفاد في وجه ذلك ما حاصله : إن كلاً من الخبرين في الفرض الثاني وإن كان يكذّب الآخر بالالتزام إلاّ أنه لا يدل على عدم مطابقة مدلوله للواقع فلعل ما تضمنه من الحكم ثابت في الشرع ، وهذا يعني أن هذه الدلالة التزامية لا يترتب عليها أثر عملي لكي يكون حجة ومعارضاً مع مدلول الآخر ، إذ لو أريد بها نفي الحكم الشرعي الواقعي الّذي دل عليه الآخر فقد عرفت عدم دلالته على ذلك ، وان أريد إيقاع المعارضة بينهما باعتبار الدلالة على عدم صدور الكلام المنقول للآخر ولو لم ينته إلى نفي ذات المدلول ففيه : أن عدم الصدور بمجرده لا يترتب عليه تنجيز أو تعذير لكي تقع المعارضة بينهما.
وهذا التفصيل غير تام وذلك.
أولا ـ للنقض بموارد التكاذب بين الأمارتين صريحاً بحسب مدلولهما