حتى في صورة الانحصار بدعوى : « أن القدرة تتجدد عند كل جزء من أجزائه بالعصيان وبارتكاب المحرم حيث إن المكلف بعد ارتكابه واغترافه الماء من الأواني المغصوبة أو الذهب والفضة يقدر على الوضوء ـ مثلاً ـ بمقدار غسل الوجه ، وبما أنه يعلم بارتكابه المحرم ثانياً وثالثاً إلى أن يتم الوضوء أو الغسل يعلم بطرو التمكن عليه من غسل سائر الأعضاء فعندئذ لا مانع من الالتزام بثبوت الأمر به مترتباً على عصيانه بناء على ما ذكرنا من صحة الترتب وجوازه وإن وجود القدرة في ظرف الإتيان بالأجزاء اللاحقة شرط لوجوب الأجزاء السابقة على نحو الشرط المتأخر. ومن المعلوم أنه لا فرق في ذلك بين أن القدرة تبقى من الابتداء أو تحدث في ظرف الإتيان بها وقد عرفت أنه لا دليل على اعتبار القدرة بأزيد من ذلك » (١).
والصحيح أن القدرة الشرعية المأخوذة في خطاب الوضوء إن أريد منها دخل القدرة التكوينية أو عدم الاشتغال بالضد الأهم في الملاك فالوضوء صحيح في المقام بالخطاب الترتبي وإن أريد منها دخل عدم المنافي المولوي بأن كان مشروطاً بعدم وجود حكم شرعي على خلافه فلا يمكن تصحيح الوضوء لأن القدرة الشرعية بهذا المعنى قد عرفت أنها قيد شرعي محض لا بد في إثباته من تقييد الخطاب به بحسب لسان دليله ولا يخفى أن ظاهر الأمر بشيء مشروطاً بعدم المنافي المولوي أن لا يوجد مناف مولوي حين الإتيان به حدوثاً وبقاء ولا يكفي عدمه بقاء فقط ، أي أن لا يكون مناف مولوي منذ حدوث الأمر لا عدم المنافي حين الامتثال فقط لأنه مقتضى إشراط الحكم بعدم المنافي الظاهر في ترتبه عليه. وإن شئت قلت : إن المستفاد من دليل شرطية القدرة بهذا المعنى أن الأمر بالوضوء لا يجتمع مع فعلية الحكم المنافي لأنه يكون معلقاً على عدمه وفي المقام وإن كان كل جزء من أجزاء الواجب في ظرف الإتيان به لا يوجد مناف مولوي عنه بالخصوص إلاّ أنه باعتبار ارتباطية هذه الأجزاء وعدم إمكان
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه الجزء ٣ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠.