المولى ملاكاً لزومياً يهتم به ، إذ لا موضوعية للخطاب بما هو جعل وتشريع في نظر العقل الّذي هو الحاكم المطلق في باب الإطاعة والعصيان ، وإنما هو مجرد طريق لإبراز اهتمام المولى بالملاك. ولهذا يتحقق العصيان أيضا بتفويت ملاك لزومي للمولى إذا استكشفه العبد عن غير طريق الخطاب.
والصحيح من هذه المسالك هو الأخير ، وبناء عليه لا يتعدد العقاب على العاصي في موارد القدرة العقلية سواء كان هناك خطاب واحد بالجامع أو خطابين مشروطين ، فإن أحد الملاكين في المقام فواته قهري على كل حال وليس بتفويت من المكلف.
وأما إذا كانت القدرة شرعية ودخيلة في الملاك. فإن كانت بمعنى وجود الملاك بمقدار وجود القدرة لا أكثر فكما لا يوجد إلاّ قدرة واحدة على أحدهما كذلك لا يوجد ملاك إلاّ في أحدهما ، فأيضاً لا يكون إلاّ عقوبة واحدة سواء جعل الخطاب بنحو التخيير العقلي أو الشرعي. وإن كانت القدرة الشرعية بمعنى دخل عدم الاشتغال بواجب آخر في الملاك فهناك ملاكان فعليان على تقدير تركهما معاً ، وهذا يعني أن المكلف كان يمكنه أن لا يفوت على المولى شيئاً من ملاكاته بالإتيان بأحدهما ، فيتعدد العقاب لا محالة ويكون التخيير عقلياً.
وهكذا يتضح : أن المقياس في تعدد العقوبة ووحدتها لا يرتبط بكون التخيير عقلياً أو شرعياً ، وإنما يرتبط بدخل عدم الاشتغال بالمزاحم في الملاك.
هذا كله فيما إذا لم يكن المتزاحمان مشروطين بالقدرة الشرعية بالمعنى الثالث ، وأما إذا كانت القدرة شرعية بهذا المعنى ـ عدم الأمر بالخلاف ـ فإن أريد به عدم المنافي اللولائي ـ لو لا الحكم الأول ـ ففي فرض تساوي الخطابين لا يمكن التمسك بإطلاق شيء من الدليلين لعدم تحقق الشرط المذكور ، فلا يثبت شيء من الحكمين ما لم يضم العلم من الخارج بانحفاظ حكم في الجملة ،