والصحيح في تصوير هذا التقسيم أن يقال : ان العلم وإن كان بنفسه انكشافا لكن له ملازمات في الخارج وجودية أو عدمية كراحة النّفس واطمئنانها واستقرارها وسكونها وغير ذلك ، وحينئذ تارة يؤخذ العلم بما لها هذه الخصوصيات الصفتية الموضوعية ، وأخرى يؤخذ بما هو انكشاف وظهور بالذات للمعلوم ، والأول هو الموضوع على نحو الصفتية والثاني هو الموضوع على نحو الكاشفية.
وإن شئت قلت : ان العلم فيه جنبتان جنبة انه انكشاف للعالم وجنبة انه انكشاف فيه أي انكشاف لغيره ، والخصيصة الثانية ليست مقومة للعلم بدليل ثبوت العلم للباري مع انه نفس المنكشف له لا غيره ، وعليه فإذا لوحظ العلم بما هو انكشاف في النّفس كان صفتيا ، وإذا لوحظ بما هو انكشاف للعالم كان على نحو الكاشفية. وظاهر دليل أخذ العلم موضوعا أخذه بما هو انكشاف له لا بما هو انكشاف فيه. فهذا التقسيم لا غبار عليه.
واما بالنسبة إلى تقسيم الكفاية لكل من القسمين إلى ما أخذ تمام الموضوع وما أخذ جزء الموضوع والجزء الاخر هو الواقع المنكشف به. فقد اعترضت عليه مدرسة المحقق النائيني ( قده ) بان العلم المأخوذ بنحو الكاشفية لا يكون إلا جزء الموضوع ولا يعقل أخذه بنحو تمام الموضوع لأن معنى كونه تمام الموضوع انه لا دخل للواقع في الحكم ، ومعنى كونه مأخوذا بنحو الطريقية ان للواقع دخلا في الحكم فالجمع بين الأمرين تناقض (١).
والواقع ان صاحب هذا الإشكال يفهم من الكاشفية غير ما يريده صاحب التقسيم الرباعي وغير ما افترضه صاحب الإشكال المتقدم ، فالكاشفية التي يريدها صاحب التقسيم للعلم الانكشاف الذاتي الحاصل للعلم سواء كان مصادقا للواقع أم لا ، والكاشفية التي تفترضها مدرسة الميرزا الانكشاف بالعرض والمجاز أي الإصابة للواقع ، فلو أريد أخذ هذه الحيثية العرضية في العلم موضوعا فهذا كما أفيد لا يمكن أن يكون إلا بنحو جزء الموضوع بحسب النتيجة لا تمام الموضوع لأن فرض الإصابة
__________________
(١) مصباح الأصول ، ج ٢ ص ٣٣.