بل سيدهم وحيثية كونه شارعاً ، وفي موارد السير العقلائية يعرف انَّ الشارع بما هو عاقل له نفس الموقف المنعقد عليه السيرة وإِلاّ لكان خلف عقلانيته أو عقلائية السيرة ويشك في انَّه بما هو شارع هل يخالف ذلك أم لا أي انَّ حيثية كونه مشرعاً هل تمنع عن ذلك أم لا وهذا مجرّد احتمال بعد إحراز أصل موافقته عليه فلا يعتنى به ما لم يثبت خلافه.
وفيه : أولا ـ انَّ إحراز موافقة الشارع للعقلاء بما هو عاقل لمجرّد كونه أحد العقلاء غير صحيح إِذ يحتمل مخالفته لهم بما هو عاقل أيضا لأحد سببين ، امَّا لكون السيرة العقلائية غير عقلية بحتة بل متأثّرة بالعوامل غير العقلية من العواطف والمشاعر الموجودة لدى العقلاء والمؤثرة في قراراتهم كثيراً وامَّا لكون مرتبة عقله أتمّ وأكمل من مراتب عقولهم المستلزم لاتخاذه موقفاً أفضل أو أشمل من موقفهم نتيجة ذلك.
وثانياً ـ لو سلّمنا إحراز الاتحاد بينه وبين العقلاء في المسلك العقلائي فتارة يفرض انَّ هذا الاتحاد يوجب القطع بأنَّه بما هو شارع أيضا لا يخالفهم فهذا معناه عدم إمكان صدور الردع منه وانتفاء احتماله وهو خلف المفروض ، وأخرى يفرض انَّ احتمال اختلاف موقفه بما هو شارع ومولى عن موقفه العقلائي موجود فمن الواضح حينئذ انَّ مجرد إحراز موقفه بما هو عاقل لا أثر له في التنجيز والتعذير عقلاً إذ لا موضوعية لمواقفه غير المولويّة في هذا المجال وإِنْ أُريد جعل ذلك كاشفاً ظنيّاً عن موقفه بما هو شارع فهذا الظنّ لا دليل على حجيّته ما لم يرجع إلى باب الظهور الحال في الإمضاء والقبول على أساس النكات التي تقدّم شرحها.
مقدار ما يثبت بالسيرة المتشرعية :
الجهة الثالثة ـ في مقدار ما يثبت بالسيرة المتشرعية من حدود الحكم الشرعي فنقول :
تارة تنعقد السيرة المتشرعية على عدم التقيد بفعل كمسح القدم بتمام الكفّ فتدلّ حينئذ على عدم وجوبه بملاك حساب الاحتمالات المتقدم شرحها. وأُخرى تنعقد على الإتيان بفعل ـ أو ترك ـ فلا إشكال حينئذ في ثبوت الجواز بالمعنى الأعم