المحاولة الثالثة ـ ما أفاده السيد الأستاذ أيضا من ان كبرى الملازمة بين ما حكم به العقل حكم به الشرع مخصوصة بما يدركه العقل في سلسلة علل الأحكام الشرعية كقبح الكذب وغصب مال الغير مثلا لا في مرتبة معلولات الأحكام الشرعية كحسن الإطاعة وقبح المعصية ، فانه في هذا القسم لا يعقل جعل حكم شرعي إذ لو كان حكم العقل بحسن الإطاعة وقبح معصية الحكم الواقعي كافيا في المحركية وإتمام الحجة على العبد وزجره عن المعصية ودفعه إلى الطاعة فلا حاجة إلى جعل الحكم الشرعي الثاني وإن لم يكن كافيا فلا فائدة في جعل حكم اخر إذ هو مثل الحكم الأول ولا يزيد عليه شيئا فيكون لغوا على كل تقدير ، ومحل كلامنا وهو حرمة التجري من هذا القبيل (١).
وفيه ـ ما تقدم لدى البحث عن كبرى الملازمة من انه كلما كان الشارع يهتم بحفظ الملاك بأكثر مما يقتضيه الحسن والقبح العقليين من الحفظ الذاتي وكان ذلك يحصل بجعل الشارع أمكن استكشاف جعل شرعي في مورد الحكم العقلي من غير فرق بين أن يكون حكم العقل في مرتبة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها ، وفي مسألة التجري يمكن للشارع جعل خطاب تحريمي له لكي يحفظ ملاكات أحكامه الواقعية بمرتبة جديدة وزائدة من الحفظ ولو في حق من تنجز عليه التكليف الواقعي بغير العلم ، فانه إذا علم بحرمة التجري عليه على كل حال فقد يتحرك ولا يقدم على ارتكاب المخالفة لأن للانقياد والتحرك عن خطابات المولى درجات فقد ينقاد المكلف في موارد العلم بالتكليف ولكنه لا ينقاد في موارد الاحتمال أو الظن وان كان منجزا عليه فيكون جعل حرمة التجري لمزيد الحافظية وسد أبواب العدم بهذا الخطاب وفي هذه المرتبة فلا لغوية أصلا.
٣ ـ التمسك بالإجماع على حرمة التجري :
وقد يتمسك لإثبات حرمة التجري بالإجماع القائم في مسألة الظن بضيق وقت الواجب على حرمة تأخير الواجب ولو انكشف بعد ذلك بقاء الوقت ، وكذلك حكمهم
__________________
(١) مصباح الأصول ، ج ٢ ص ٢٦.