اما المقام الأول ـ وهو البحث عن مدركات العقل النظريّ فحاصل البحث فيه ان اليقين له معنيان :
١ ـ اليقين بالمعنى الأصولي وهو الجزم والانكشاف التام الّذي لا يتضمن تردد وشك.
٢ ـ اليقين بالمعنى المنطقي في كتاب البرهان وهو الجزم المضمون الحقانية المطابق للواقع.
ومقصود المحدثين تارة يكون إنكار اليقين الأصولي في الأدلة العقلية وأخرى إنكار اليقين المنطقي.
اما الأول فلو تمت صغراه تمت كبراه بمعنى انه لا تكون الأدلة العقلية بحجة لأن موضوع الحجية هو اليقين الشخصي سواء كان برهانيا أم لا ، فإذا لم يكن ثمة يقين فلا حجة ولكن الشأن في تمامية الصغرى.
وقد ينقض عليه بأمرين :
١ ـ انه إذا تعطل الدليل العقلي لإيجاد اليقين حتى الأصولي منه وانحصر مصدره بالدليل الشرعي فكيف وبما ذا نثبت أصل وجود الشارع والشرع؟ وما ذا يقال عن الأدلة العقلية التي نثبت بها أصول الدين؟.
٢ ـ النقض بالاستدلالات التي يمارسها حتى المحدث نفسه في الفقه ، فان جملة منها أيضا اعتماد على أدلة وبراهين يكثر فيها الخطأ كالاستدلالات العقلية الأخرى.
وكلا هذين النقضين الظاهر عدم ورودهما على المحدثين ، وذلك لأنهم ليسوا بصدد إنكار كاشفية الدليل العقلي جملة وتفصيلا بل خصوص الأدلة العقلية ذات الطابع النظريّ التجريدي المستعمل في علمي الكلام والفلسفة والأصول أحيانا ، أي ينكرون العقل النظريّ القبلي ـ قبل التجربة والحس ويقطع النّظر عنه ـ ومثل هذا العقل لا يحتاج إليه لا في إثبات أصول الدين ولا في الاستدلالات الفقهية. اما في الأول فلما ذكرناه في مقدمة الفتاوى الواضحة من ان قضايا أصول الدين والعقيدة ثبوتها لدينا كثبوت القضايا العرفية والتجريبية في الوضوح والحقانية لأنها تملك رصيدا من الدليل الحسي والاستقرائي على حد سائر القضايا الاستقرائية التجريبية وإن كان