وهذا التقريب لا يرد عليه ما أوردناه على التقريب السابق لأنَّ مفاده أكثر من مفاد القاعدة. ودعوى مثل هذا الإجماع ليست مجازفة لأنَّ المستفاد من ذوق الشارع وطريقته في التبليغ والاهتمام بتنظيم حياة الإنسان بمختلف شئونها ومجالاتها انَّه لا يرضى بمرجعية الاحتياط بل لا يعقل أَنْ يكون بناء الشريعة على وجه كلّي على الاحتياط ، فانَّ هذا انَّما يعقل لو كانت الشريعة مجموعة تكاليف فردية لا تشريعات تتكفّل تنظيم مختلف مناحي حياة الإنسان الاجتماعية والفردية والسياسية فكتاب القضاء مثلاً لا يعقل فيه مرجعية الاحتياط ولا يحتمل الفرق فقهياً بين باب وباب فمرجعية الاحتياط مساوقة مع تعطل الشريعة وأغراضها الأساسية.
هذا كلّه في إبطال وجوب الاحتياط.
وأمَّا القواعد الأُخرى فالاستصحاب لا يمكن الاكتفاء به لأنَّ دليل الاستصحاب اخبار الآحاد وهي غير حجة عند الانسدادي ولو فرض قطعية أسانيدها ودلالتها فالاستصحابات النافية حالها حال البراءة الساقطة بالمعارضة والاستصحابات المثبتة لا مانع من جريانها لقلة مواردها في الشبهات الحكمية بحيث يحتمل صحّتها جميعاً ، ولو فرض العلم بانتقاض بعضها إجمالاً مع عدم إمكان تعيينها كما عند الانفتاحي بالعلم أو العلمي خصوصاً في دائرة المعاملات التي تجري فيها أصالة الفساد الراجعة إلى استصحاب عدم ترتب الأثر الشرعي فلا يضرّ بجريانها على ما هو الصحيح المختار في بحوث الاستصحاب ، والغريب انَّ صاحب الكفاية ( قده ) أراد التخلّص عن المحذور حتى مع تسليم مبنى الشيخ الّذي يمنع عن جريان الاستصحابات المثبتة مع العلم بالانتقاض ، بدعوى : انَّ هذا انَّما يتجه إذا كان أطراف العلم الإجمالي كلّها ممّا يلتفت إِليها الفقيه في عرض واحد كما إذا كانت محدودة وأمَّا إذا كانت كثيرة وفي تمام الفقه فكلّ شبهة منها عند ما يجري الاستصحاب المثبت فيها تكون الشبهات الأُخرى مغفول عنها فلا يجري الاستصحاب فيها ليلزم التناقض بين الصدر والذيل في أدلة الاستصحاب الّذي هو منشأ إشكال الشيخ ( قده ).
وفيه : أولا ـ انَّ الغفلة وعدم الالتفات الفعلي عن الشك لا يمنع عن جريان الاستصحاب لوجود الشك ارتكازاً ، فانَّ الشك كالعلم يجامع الغفلة والالتفات