العمل بالخبر إذا لم يجئ به الفاسق بل يبقى الأمر مردداً بين ذلك وبين أن لا يجوز العمل به مطلقاً فينفي هذا الاحتمال بإحدى المقدمتين.
٣ ـ ان يكون وجوب التبين طريقياً بمعنى انَّه مرتبة من الحجية لخبر الفاسق لأنه في الشبهة الموضوعية إذ لم يأت الفاسق بخبر فالمولى يحكم بالبراءة ولا يجب الفحص ولكن إذا جاء الفاسق بخبر فالمولى يرفع اليد عن البراءة ويوجب الفحص وهذه مرتبة من وجوب الاحتياط والحجية لخبر الفاسق والمفهوم حينئذ عدم ثبوت هذه المرتبة في الحجية في خبر العادل وهذا فيه احتمالان أيضا بحيث لا بدَّ من ضمّ مقدمة عدم الأسوئية لإثبات انَّ خبر العادل حجة على الإطلاق.
وهذا الاحتمال خلاف الظاهر لأنه لو كان النّظر إلى ذلك لناسب أن يعلل ذلك باحتمال إصابة الفاسق للواقع مع انَّ التعليل جاء بإبراز احتمال كذب الفاسق وإصابة القوم بجهالة.
٤ ـ أن يكون الأمر بالتبين إرشاداً إلى عدم الحجية شرعاً وهذا لسان من السنة عدم الحجية بحسب الحقيقة فيكون المفهوم ثبوت الحجية في خبر العادل بلا حاجة إلى ضمّ مقدمة خارجية وهذا هو الظاهر في تفسير وجوب التبين.
٥ ـ ما ذكره المحقق العراقي ( قده ) بناءً على أن يراد بالتبين ما يعمّ تحصيل الظنّ من أنَّ وجوب التبين حينئذ يكون غيريّاً ومقدمة لوجوب العمل بخبر الفاسق ، وحينئذ غاية ما تدلّ عليه الآية انتفاء هذا الوجوب الغيري في خبر العادل وامَّا الوجوب النفسيّ بالعمل به فيحتمل ثبوته ويحتمل عدم ثبوته إِلاّ انَّ التقدير الثاني يلزم منه أسوئية خبر العادل عن الفاسق فينفي وبهذا أثبت الحاجة إلى مقدمة الأسوئية (١).
وفيه ـ انَّ الوجوب الغيري للتبين إِن كان على أساس مقدمية التبين للعمل عقلاً
__________________
(١) الّذي يظهر من مراجعة تقريرات العراقي ( ص ١٠٨ ) انَّه لا يدعى قيدية تحصيل الظنّ لوجوب العمل بل لمشروعية العمل جوازاً أو وجوباً كما يصرّح بذلك ضمن عبائره ويكون حاصل كلامه : انَّه لو جعلنا القيد التبين الأعم من العلم والظنّ ـ ليعقل بقاء المشروط وهو العمل بالخبر بعد التبين ـ فالآية لا تكون فارغة عن أصل العمل ليستفاد من نفي الشرطية والقيدية بالنسبة لخبر العادل حجيته بل نحتاج إلى مقدمة الأسوئية ، ويكون الإشكال عليه حينئذ بأنَّ مشروعية العمل بالخبر عبارة أخرى عن الحجية إذ لا يعقل له معنى آخر في هذا المقام فيرجع إلى الاحتمال السابق الّذي لا يحتاج بناءً عليه إلى ضمّ مقدمة الأسوئية.