استفادة الحجية من مفهومها مباشرة.

والتحقيق حول هذه النقطة يرتبط بفهم معنى وجوب التبين وحقيقته فان هناك عدة وجوه في تفسيره.

١ ـ ان يدعى انَّ وجوب التبين وجوب نفسي لا غيري وحقيقي لا طريقي كوجوب ردّ التحية مثلاً فكأنَّ هناك تكليفاً من الشارع بالتجسّس على الفاسق وفضح اخباره الكاذبة ، وبناءً على هذا سوف نحتاج إلى مقدمة خارجية لإثبات حجية خبر العادل إذ المفهوم لا يدلّ حينئذ على أكثر من انتفاء هذا الوجوب النفسيّ وهو غير الحجية.

إِلاّ انَّ هذا الاحتمال غير تام في نفسه ولو تمّ لما أمكن إثبات الحجية بناءً عليه حتى بضمّ المقدمة الخارجية. امَّا عدم التمامية فلأنَّ هذا التفسير لوجوب التبين خلاف ظهور التعليل في ذيل الآية في الطريقية والحرص على الواقع ، وأيضا خلاف معنى مادة التبين المأمور به الظاهر عرفاً في الطريقية والوصول إلى الواقع.

وأمَّا عدم تمامية الاستدلال فلأنَّ انتفاء هذا الوجوب النفسيّ الحقيقي عن خبر العادل من دون الحجية لا يستلزم أسوئيته بل أحسنيته من الفاسق الّذي يكلّف الناسي بفضحه كما هو واضح.

٢ ـ ما اختاره الشيخ ( قده ) من انَّ هذا الوجوب شرطي والمشروط جواز العمل بخبر الفاسق وحينئذ يدلّ بالمفهوم على انتفاء هذا الوجوب الشرطي وامَّا هل يجوز العمل مطلقاً أو لا يجوز مطلقاً فلا يكون المفهوم ناظراً إلى ذلك فلا بدَّ من ضمّ مقدمة الأسوئية على تقدير عدم جواز العمل مطلقاً (١) إِلاّ انَّه في هذه الحالة توجد مقدمة أخرى أيضا تبطل هذا الاحتمال وهو انَّه لو فرض عدم جواز العمل به مطلقاً حتى مع التبين فهذا مناف مع حجية القطع وهو غير معقول. وإِن شئت قلت : انَّ دليل الشرطية لا يثبت إِلاّ نفس الشرطية منطوقاً وينفيها مفهوماً وامَّا إطلاق المشروط فيثبت بدليل المشروط وليس لدليل الشرطية نظر إليه ، ولهذا لا يستفاد من الآية مباشرة إطلاق جواز

__________________

(١) إِلاّ انَّ هذا الاحتمال في نفسه غير صحيح لأنَّ الظاهر من التبين العلم والاطمئنان وحينئذ العمل بالعلم لا بخبر الفاسق فالشرطية لا تناسب إِلاّ مع فرض انحفاظ المشروط على تقدير تحقق الشرط.

۴۵۶۱