والكثرة العدديّة هي جوهر التواتر ولكنه ليس بالإمكان تحديدها في رقم معين كما حاوله بعض الفقهاء فحددها بتحديدات مضحكة ، وصفها الشهيد الثاني ( قده ) بسخف القول من قبيل التحديد بأنها ٣١٣ بعدد شهداء بدر أو ١٢ بعدد نقباء بني إسرائيل أو سبعين بعدد أصحاب موسى الذين ذهبوا لميقات ربّهم أو انَّه أكثر من أربعة لئلا تكون البيّنة في بعض الأبواب الفقهية التي يشترط فيها أربعة شهود تواتراً ونحو ذلك. وقد أفاد الشهيد بأنَّ الميزان إفادة العلم وهذا أيضا كما ترى من تفسير الشيء بنفسه كتفسير الماء بالماء. وقد عرفت انَّ أساس افادته للعلم هو حساب الاحتمالات لا كم عددي معين وكان اتجاه التحديد هذا من وحي منطق أرسطو القائل بأنَّ الاستدلال الاستقرائي قائم على أساس قضية عقلية أولية قبلية هي وجود عدد يمتنع تواطؤهم على الكذب ممّا أوجب البحث عن تحديد ذلك العدد.

ولكن مع ذلك يمكن تحديد عوامل عديدة مؤثرة في إفادة التواتر لليقين وهي على قسمين :

١ ـ عوامل موضوعية مربوطة بالشهادات.

٢ ـ عوامل ذاتية مربوطة بنفسية السامع.

امَّا الموضوعية فأهمّها ما يلي :

١ ـ درجة الوثاقة والتصديق لمفردات التواتر فكلّما كانت شهادة كلّ مخبر ذات قيمة احتمالية أكبر كان حصول التواتر أسرع وبعدد أقلّ لما عرفت من أنَّ أساس حصول اليقين حساب الاحتمالات فإذا كانت الاحتمالات أكبر كان تجميعها وبلوغها لليقين أسرع والعكس بالعكس ، وهذه الزيادة في القيمة الاحتمالية والكاشفية للوثاقة أيضا محكومة لقوانين حساب الاحتمالات وبملاكها ولكن حساب الاحتمالات في مثل هذا المجال لا بدَّ وأن يثبت قضية استقبالية أيضا هي انَّ كلّ خبر ثقة تكون قيمتها الاحتمالية وكاشفيتها عن الواقع أكثر وهذا ما برهنا عليه وشرحناه مفصلاً في كتاب الأُسس المنطقية.

٢ ـ الاحتمال القبلي للقضية المتواترة ، فكلّما كانت قيمة هذا الاحتمال القبلي أكبر كان حصول التواتر أسرع والعكس بالعكس أيضا ، فمثلاً إذا أخبروا بوجود

۴۵۶۱